ما أكثر الضيقات والأزمات التي نَمر بها في حياتنا، لحظات فشل، يأس، إحباط وتعب. فلا يبقى قوة للمسير، ونستسلم للواقع المرير.
الضيقات جزءٌ لا يتجزَّأ من حياتنا، وهي القاسِم المشترك بين جميع البشر، فلا يوجد أي شخص إلا وقد مرَّ بضيقةٍ شديدة، واختبرَ الآلام والرياح العنيدة!
كم صرخنا وشكونا في الليالي: "يا إلهي متى تنظر وتترأف بحالي؟ ألا تسمع، ألا تنظر ولا تبالي"؟
أعزائي، دعونا لا ننسى كلمات الرب يسوع: "في العالم سيكون لكم ضيق". فلَم يعدنا بالطريق المفروش بالورود، والتلميذ يتبع مُعلّمه، ومعلمنا اختبر الضيق، وتباعد عنه كل مُحب وصديق، وفي أحلك أوقاته لم يجد من يدافع عنه ويقف بجانبه، وعلى الصليب صرخ: "إلهي إلهي لماذا تركتني"؟
نحن نعيش في عالمٍ وُضعَ في الشرير، وإنَّ الضيق والألم، الرفض والإحتياج هو جزءٌ من حياتنا وتسمح به عناية القدير، لكنه يسود على الشر والمشاكل والضيق، ويُخرج منها كل حلاوة وخير.
وأريد أن اشارككم أعزائي بمبادئ ومفاتيح، أذَكّر بها نفسي وأذكركم بها عندما نمر في الضيق:
1) يسوع هو أعظم صديق: قد يتباعد عنا الأحباء والأصدقاء عندما تحل بنا مصيبة أو نعبر في ضيق، وكم نشتاق لشخصٍ يسمعنا ويدٍ تلمسنا، لكن لا نجد سوى النفس مسكوبة على النفس، ويزداد الألم وذرف الدموع، ويئنُّ القلب الموجوع: "أليسَ من رفيق، أليسَ من حل، أين بصيص الأمل"؟ حقاً ما أصعبها من لحظات، وما يزيد قسوتها وصعوبتها الوحدة والإختلاء.
إنَّ الحل لهذا الوضع اليائس والبائس، هو أن نحوّل أعيننا عن الأرض إلى السماء، فلنا في السماوات وسيط نعمة جالسٌ على العرش، وهو المُحب الألصق من الأخ (أمثال 18: 24)، هو الذي يتفهمنا ويرثي لضعفنا، يشعر بنا ويسمع كل أنّاتنا، حضنه دائماً مفتوح، يداه ممدودة بالرحمة والمعونة، لنركض إليه ولنحتمي به وسط المصاعب(إسم الرب برجٌ حصين يركض إليه الصِدّيق ويَتَمنَّع- أمثال 18: 10). وهو دعانا وقال: "تعالوا إلي يا جميع المتعبين" (متى 11: 28). هو الصديق الذي لا يخذلنا، ولا يهملنا. يسوع يريد أن يشاركنا كل لحظات حياتنا، المفرحة منها والمحزنة، تهمه كل تفاصيلنا، ويشتاق لعلاقة قوية معنا.
الظروف والمشغوليات قد تُشَتّت الأحباب، وتزيد الأتعاب، لكنه يبقى هو الصديق الدائم، في كل ظرف، في كل يوم مُشرق أو غائم. كلّمهُ وعَبّر له عن كل الذي في قلبك، كل ما يشغلك ويقلقك، وسيبدّل نوحك وبكاءك إلى هتاف وفرح، سيملأ حياتك بالبركة، وإذا سقطت فلن تنطرح (مزمور 37: 24)
2) إختبار عنايته طول الطريق: إنَ أحد القاب الرب يسوع هو "الراعي الصالح"، ولم يطلَق هذا اللقب عليه من أحد، بل هو أعلنه بنفسه. وبذلك أعظم دليل وتأكيد على عنايته بنا. ولقد اختار لقب الراعي لما في ذلك من حب، حنان، إهتمام وتفهم. ولقد تغنّى داود في مزموره الشهير: "الرب راعِيَّ فلا يعوزني شيء". فكل راعي حقيقي يهتم بخرافه أشد الإهتمام، يحميها من الذئاب، يقودها إلى أحسن المراعي ومجاري المياه. فكم بالحري الراعي الصالح الحقيقي الذي بذل نفسه من أجل خرافه؟
منذ اللحظة التي نسَلّم فيها حياتنا له، فإنه يتَكفَّل بالعناية بنا، هو يهتم بيومنا وغدنا، فلقد قال: "أنظروا إلى طيور السماء إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن وأبوكم السماوي يقوتها، ألستم أنتم بالحري أفضل منها... لأنَ اباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها..." (متى 6: 26).
ولنا في الكتاب المقدس أمثلة أخرى عن عناية الرب: فلقد دَبَّر لشعبه في القديم طعاماً في البرية، الذي هو المَن، وكان ينزل من السماء طازجاً في كل صباح (خروج 16).
فإن عبرنا في أزمنة احتياج وفقر، وإن ساءت ظروفنا وتحول كل شيء إلى يبوسة القفر، لا يجب أن ننسى أنه هو المعين، هو الراعي الصالح والأمين، يمدّنا بكل ما نحتاجه في كل حين.
وإننا نختبر عنايته أيضاً وسط الضيقات، ومثالاً على ذلك، قصة يوسف، الذي اختبر ظروفاً قاسية، حيث بيع عبداً، وسُجنَ ظُلماً، لكن الرب اعتنى به حتى في السجن، وأخرجه ورفعه إلى العرش!
نعم، الله دوماً أمين ولا ينكر نفسه، وإن سمح بضيقات، فما هي إلا لزيادة ايماننا ولمعاننا، وإنه يخرج منها أعظم البركات.
3) لا بُدَّ لنهاية لهذا الضيق: مهما كان حجم الضيقات، ومهما تَعقَّدت الحالات، والحَلُّ أصبح من المستحيلات، ثق يا عزيزي ويا عزيزتي بأن هذه ليست النهاية، فالله وحده صانع النهايات. لقد قال يسوع: "في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يوحنا 16: 33). وكثيراً ما نقف عند كلمة "ضيق "، ونضع أمامها ثلاث نقط. تشغلنا ضيقاتنا وتشتتنا، وننسى بقية الوعد بأن الغلبة لنا. وتمتلأ اعيننا بالدموع وتغيب الحقيقة من أمامنا بأن خلاصنا بيسوع.
لقد عانى شعب الرب 400 سنة تحت نير العبودية القاسية في مصر، لكن الرب سمع صوت صراخهم، وأرسل موسى لينقذهم ويخرجهم من أرض العبودية (خروج 12).
فإن كنت يا عزيزي ويا عزيزتي تمرّون في عبودية وظروف قاسية، وإن صارت ظهوركم من الهَمِّ حانية، فتأكدوا أن الرب معكم وسط الضيق، ولا يسمح بأن يكون فوق طاقتكم واحتمالكم، لكنه يخرجكم منه بلمعانٍ وبريق.
فليتنا نتكل عليه في كل أمور حياتنا، ونسلمهُ زمام الأمور، ونضعه في سلّم أولوياتنا، فهو الصديق، هو الراعي، هو يُسَدّد احتياجاتنا. وصلاتي أن نجعله صديقاً ورفيقاً، لا بل سيّداً على القلب والكيان. له المجد إلى الأبد مدى الدهر والزمان.