من الضّيق إلى الرَّحِب

ما أكثر الضيقات والأزمات التي نَمر بها في حياتنا، لحظات فشل، يأس، إحباط ‏وتعب. فلا يبقى قوة للمسير، ونستسلم للواقع المرير. الضيقات جزءٌ لا يتجزَّأ من حياتنا، وهي القاسِم المشترك بين جميع البشر...
05 سبتمبر 2015 - 11:19 بتوقيت القدس

ما أكثر الضيقات والأزمات التي نَمر بها في حياتنا، لحظات فشل، يأس، إحباط ‏وتعب. فلا يبقى قوة للمسير، ونستسلم للواقع المرير.

الوصول الى القمة والرحب

الضيقات جزءٌ لا يتجزَّأ من حياتنا، وهي القاسِم المشترك بين جميع البشر، فلا يوجد ‏أي شخص إلا وقد مرَّ بضيقةٍ شديدة، واختبرَ الآلام والرياح العنيدة!
كم صرخنا وشكونا في الليالي:‏‎ ‎‏"يا إلهي متى تنظر وتترأف بحالي؟ ألا تسمع، ألا تنظر ‏ولا تبالي"؟

أعزائي، دعونا لا ننسى كلمات الرب يسوع:‏‎ ‎‏"في العالم سيكون لكم ضيق". فلَم يعدنا ‏بالطريق المفروش بالورود، والتلميذ يتبع مُعلّمه، ومعلمنا اختبر الضيق، وتباعد ‏عنه كل مُحب وصديق، وفي أحلك أوقاته لم يجد من يدافع عنه ويقف بجانبه، ‏وعلى الصليب صرخ:‏‎ ‎‏"إلهي إلهي لماذا تركتني"؟

نحن نعيش في عالمٍ وُضعَ في الشرير، وإنَّ الضيق والألم، الرفض والإحتياج هو جزءٌ ‏من حياتنا وتسمح به عناية القدير، لكنه يسود على الشر والمشاكل والضيق، ‏ويُخرج منها كل حلاوة وخير.‏
وأريد أن اشارككم أعزائي بمبادئ ومفاتيح، أذَكّر بها نفسي وأذكركم بها عندما نمر في ‏الضيق:‏

‏1)‏ يسوع هو أعظم صديق: قد يتباعد عنا الأحباء والأصدقاء عندما تحل بنا ‏مصيبة أو نعبر في ضيق، وكم نشتاق لشخصٍ يسمعنا ويدٍ تلمسنا، لكن لا ‏نجد سوى النفس مسكوبة على النفس، ويزداد الألم وذرف الدموع، ويئنُّ ‏القلب الموجوع: "أليسَ من رفيق، أليسَ من حل، أين بصيص الأمل"؟ حقاً ما ‏أصعبها من لحظات، وما يزيد قسوتها وصعوبتها الوحدة والإختلاء.
إنَّ الحل لهذا الوضع اليائس والبائس، هو أن نحوّل أعيننا عن الأرض إلى ‏السماء، فلنا في السماوات وسيط نعمة جالسٌ على العرش، وهو المُحب ‏الألصق من الأخ (أمثال 18: 24)، هو الذي يتفهمنا ويرثي لضعفنا، يشعر بنا ‏ويسمع كل أنّاتنا، حضنه دائماً مفتوح، يداه ممدودة بالرحمة والمعونة، ‏لنركض إليه ولنحتمي به وسط المصاعب(إسم الرب برجٌ حصين يركض إليه ‏الصِدّيق ويَتَمنَّع- أمثال 18: 10). وهو دعانا وقال: "تعالوا إلي يا جميع ‏المتعبين" (متى 11: 28). هو الصديق الذي لا يخذلنا، ولا يهملنا. يسوع ‏يريد أن يشاركنا كل لحظات حياتنا، المفرحة منها والمحزنة، تهمه كل ‏تفاصيلنا، ويشتاق لعلاقة قوية معنا.

الظروف والمشغوليات قد تُشَتّت الأحباب، وتزيد الأتعاب، لكنه يبقى هو ‏الصديق الدائم، في كل ظرف، في كل يوم مُشرق أو غائم. كلّمهُ وعَبّر له عن ‏كل الذي في قلبك، كل ما يشغلك ويقلقك، وسيبدّل نوحك وبكاءك إلى ‏هتاف وفرح، سيملأ حياتك بالبركة، وإذا سقطت فلن تنطرح (مزمور 37: ‏‏24)‏

‏2)‏ إختبار عنايته طول الطريق: إنَ أحد القاب الرب يسوع هو "الراعي ‏الصالح"، ولم يطلَق هذا اللقب عليه من أحد، بل هو أعلنه بنفسه. وبذلك ‏أعظم دليل وتأكيد على عنايته بنا. ولقد اختار لقب الراعي لما في ذلك من ‏حب، حنان، إهتمام وتفهم. ولقد تغنّى داود في مزموره الشهير: "الرب راعِيَّ ‏فلا يعوزني شيء". فكل راعي حقيقي يهتم بخرافه أشد الإهتمام، يحميها من ‏الذئاب، يقودها إلى أحسن المراعي ومجاري المياه. فكم بالحري الراعي ‏الصالح الحقيقي الذي بذل نفسه من أجل خرافه؟
منذ اللحظة التي نسَلّم فيها حياتنا له، فإنه يتَكفَّل بالعناية بنا، هو يهتم ‏بيومنا وغدنا، فلقد قال: "أنظروا إلى طيور السماء إنها لا تزرع ولا تحصد ولا ‏تجمع إلى مخازن وأبوكم السماوي يقوتها، ألستم أنتم بالحري أفضل منها... ‏لأنَ اباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها..." (متى 6: 26).

ولنا في الكتاب المقدس أمثلة أخرى عن عناية الرب: فلقد دَبَّر لشعبه في ‏القديم طعاماً في البرية، الذي هو المَن، وكان ينزل من السماء طازجاً في كل ‏صباح (خروج 16).‏
فإن عبرنا في أزمنة احتياج وفقر، وإن ساءت ظروفنا وتحول كل شيء إلى ‏يبوسة القفر، لا يجب أن ننسى أنه هو المعين، هو الراعي الصالح والأمين، ‏يمدّنا بكل ما نحتاجه في كل حين.‏

وإننا نختبر عنايته أيضاً وسط الضيقات، ومثالاً على ذلك، قصة يوسف، الذي ‏اختبر ظروفاً قاسية، حيث بيع عبداً، وسُجنَ ظُلماً، لكن الرب اعتنى به حتى ‏في السجن، وأخرجه ورفعه إلى العرش!‏
نعم، الله دوماً أمين ولا ينكر نفسه، وإن سمح بضيقات، فما هي إلا لزيادة ‏ايماننا ولمعاننا، وإنه يخرج منها أعظم البركات.‏

‏3)‏ لا بُدَّ لنهاية لهذا الضيق: مهما كان حجم الضيقات، ومهما تَعقَّدت الحالات، ‏والحَلُّ أصبح من المستحيلات، ثق يا عزيزي ويا عزيزتي بأن هذه ليست ‏النهاية، فالله وحده صانع النهايات. لقد قال يسوع: "في العالم سيكون لكم ‏ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يوحنا 16: 33). وكثيراً ما نقف عند ‏كلمة "ضيق "، ونضع أمامها ثلاث نقط. تشغلنا ضيقاتنا وتشتتنا، وننسى ‏بقية الوعد بأن الغلبة لنا. وتمتلأ اعيننا بالدموع وتغيب الحقيقة من أمامنا ‏بأن خلاصنا بيسوع.‏

لقد عانى شعب الرب 400 سنة تحت نير العبودية القاسية في مصر، لكن ‏الرب سمع صوت صراخهم، وأرسل موسى لينقذهم ويخرجهم من أرض ‏العبودية (خروج 12).‏

فإن كنت يا عزيزي ويا عزيزتي تمرّون في عبودية وظروف قاسية، وإن صارت ‏ظهوركم من الهَمِّ حانية، فتأكدوا أن الرب معكم وسط الضيق، ولا يسمح ‏بأن يكون فوق طاقتكم واحتمالكم، لكنه يخرجكم منه بلمعانٍ وبريق.‏

فليتنا نتكل عليه في كل أمور حياتنا، ونسلمهُ زمام الأمور، ونضعه في سلّم ‏أولوياتنا، فهو الصديق، هو الراعي، هو يُسَدّد احتياجاتنا. وصلاتي أن نجعله ‏صديقاً ورفيقاً، لا بل سيّداً على القلب والكيان. له المجد إلى الأبد مدى ‏الدهر والزمان.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا