الخوف - (ج2)

لقد قال أحدهم: ”من يخاف الله لا يخاف شيئـًا، لأن رأس الحكمة مخافة الرب“. ولكن ما أبعد الفارق بين أن تخاف الله (أي تحبه وتقدّره وتهابه) وبين أن تخاف من الله (أي تنفصل عنه وتهرب منه).
04 مارس 2019 - 20:17 بتوقيت القدس

نكمل موضوعنا عن الخوف في هذا المقال، تحت عنوان: الخوف، وكيف نتجنبه؟

فهل حقًا يستطيع إنسان اليوم، أن يتمتع بسلام الذهن، وراحة الضمير، وسكينة القلب؟!

ان الله لا يريدنا ان نخاف، وليس هذا فحسب  بل يأمرنا بعدم الخوف ايضا، ولذا فقد كرر عشرات المرات في العهدين القديم والجديد عبارة "لا تخف" بالمفرد و"لا تخافوا بالجمع"، فالله يعرف ان الخوف سلاح كبير بيد الشيطان لاقتناص الانسان واستعباده بصورة دائمة، وهو يعرف ايضا ان الانتصار على الخوف ممكن في كل حين، لمن يستعمل الوسائط التي وفرها لنا الله بنعمته.

كثيرون من الناس يستعملون الوسائط المغلوطة لاجتناب الخوف، بعضهم يلجأ الى الحبوب المهدئة أو المنومة التي يصفها لهم الأطباء النفسيون، وبعضهم يلجأ الى حمل السلاح لأنه يشعر ان المسدس أو البندقية تعطيه شيئًا من الحماية، وبعضهم يظن بأن الحرس الخاص كافٍ لحمايتهم من الاخطار، وهناك بعضٌ ممن يلجأون لكل انواع الضمان والتأمين لكي يتّقوا مفاجئات الحياة. هذه هي طرق البشر أما الله فله وسائله الأخرى.

الوسيلة الاولى  هي الايمان أو الثقة في الرب
تقول رسالة العبرانيين ان والديّ موسى بالايمان أخفياه ولم يخشيا أمر الملك، وبعد ذلك تخبرنا ان موسى بالايمان ترك مصر غير خائف من غضب الملك لأنه تشدد كأنه يرى ما لا يرى، وقصد الكاتب ان يبين لنا ان الثقة بالرب هي التي نصرت موسى وأبويه على الخوف من فرعون مصر. وفي الاصحاح الخامس من انجيل مرقس يخبرنا البشير عن ان يايرس رئيس المجمع الذي خر عند قدميّ يسوع طالبا إليه ان يأتي الى بيته ويشفي ابنته المحتضرة، وبينما كان يتحدث اليه جاء وفد من بيته قائلين ابنتك ماتت لماذا تتعب المعلم، فسمعهم يسوع وللحال التفت الى رئيس المجمع وقال له لا تخف آمن فقط، ثم ذهب الرب يسوع الى بيته حيث الفتاة كانت ممددة، فأمسك بيدها وقال لها قومي، فقامت الصبية ومشت فبهت جميع الحاضرين. وطبعا عندما نتحدث عن الايمان بالرب فالقصد هو الايمان بشخصه وفدائه وعنايته وحضوره وقدرته ووعوده، فهو القادر على كل شيء.

الوسيلة الثانية لاجتناب الخوف هي معية الرب 
يقول الرسول بولس: "إن كان الله معنا فمن علينا" ( رو 8 : 31)، ويقول مقتبسا من العهد القديم "حتى أننا نقول واثقين: الرب معين لي فلا أخاف، ماذا يصنع بي إنسان؟" (عب13: 6). وقال داود في الموضوع ذاته: "ايضا اذا سرت في وادي ظل الموت لا اخاف شرا لانك انت معي" (مز23: 4). وفي فاتحة المزمور السادس والاربعين يقول الكاتب الملهم بالروح القدس: الله لنا ملجأ وقوة. عونا في الضيقات وجد شديدا لذلك لا نخشى ولو تزحزحت الأرض، ولو انقلبت الجبال إلى قلب البحار. وفي العدد السابع يقول رب الجنود معنا ملجأنا إله يعقوب ويكرر العبارة نفسها في العدد الحادي عشر.

الوسيلة الثالثة لاجتناب الخوف والانتصارعليه هي شفاعة الرب
الكتاب المقدس يؤكد ان يسوع يشفع بي ويصلي من اجلي عن يمين الآب. ولماذا يفعل ذلك؟ لانه يعلم ان الشيطان هو المشتكي على اولاد الله ليلا ونهار، وبما ان المسيح هو رئيس الكهنة العظيم فهو يشفع بنا ويدافع عنا من عدونا اللدود ابليس، وعلى هذا الاساس نستطيع ان نغلب الخوف وان نفرح في الرب.

الوسيلة الرابعة والاخيرة هي المحبة للرب
يقول الرسول يوحنا في رسالته الاولى الاصحاح الرابع والعدد الثامن عشر: "لا خوف في المحبة بل المحبة الكاملة تطرح الخوف الى خارج، ثم يتابع قائلا واما من خاف فلم يتكمل في المحبة" فالخوف والمحبة لا يجتمعان كما ان الخوف والايمان لا يجتمعان، فالابن الذي يحب أباه لا يرتعب منه بل ينجذب إليه.

قال الدكتور الراحل مجدي صموئيل في كتابه "ممن اخاف" التالي:

ثلاثة أمور تجعلنا نقهر المخاوف

-1 من جهة رعب الموت الصليب وعمل المسيح أعظم قوة تجعلك لا تخاف الموت. فالصليب، آلة الموت والإعدام التي كانت تخيف الجبابرة، صار الآن سر افتخار وسلام المؤمن، فالمسيح «أبطل الموت وأنار الحياة والخلود 2 تيموثاوس1: 10).

-2 من جهة مصائب الحياة: «فإننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخض معًا إلى الآن... وكذلك الروح أيضا يعين ضعفاتنا. لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها» (رومية8 22 26 روح الله بداخلك يشفع فيك بأنّات لا يُنطق بها، ويعين ضعفك، ويحوّلك عن ذكريات الماضي ومصائب الحياة، ويذكّرك بمعاملات الله، وكلمة الله.

-3 من جهة أفكار ووساوس الشيطان لديك كلمة الله السلاح الإلهي الوحيد القادر على هدم كل ظنون العدو. «سيف الروح الذي هو كلمة الله» (أفسس6: 17). ومادمت متمتعًا بعمل الله في المسيح لأجلك سكنى روح الله داخلك كلمة الله تملئ قلبك فلن تخاف من أي شيء.

هكذا هو الحال في علاقتنا مع الله، تلك العلاقة التي تبدأ بالايمان الشخصي بالرب يسوع المسيح، فالسلام الحقيقي هو عطية من الله لكل من يؤمن به.  لذلك ففي حديث المسيح الأخير قبل الصليب وعد تلاميذه بسلامه الشخصي قائلاً: «سلامًا اترك لكم.  سلامي أعطيكم.  ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا.  لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب» (يو 14: 27). فهل قبلته وتمتعت بالأمان الإلهي وانتصرت على الخوف؟

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا