الخوف - (ج 1)

يشير الكتاب المقدس إلى نوعين محددين من الخوف. النوع الأول مفيد ويجدر بنا تشجيعه. أما النوع الثاني فهو مؤذٍ ويجب التغلب عليه. النوع الأول هو مخافة الرب. هذا النوع من الخوف لا يعني بالضرورة الشعور
02 مارس 2019 - 18:59 بتوقيت القدس

لعل بدايتي مع موضوع الخوف كانت من خلال عظة قدمها القس الراحل يوسف قسطة، وتناول كتابيا كل الأفكار الخاصة به وماذا يقول الكتاب عن اسباب الخوف ونتائجه وعلاجه. 

وقد قمت آنذاك بتلخيص الافكار التي تناولها الاخ القسيس والتي افادتني كثيرا في علاج هذا الموضوع الذي كان يؤرقني في حياتي، حيث قال القس قسطة ان الخوف هو المرض الأشد فتكًا والأكثر انتشارا في عالمنا اليوم، وبالرغم من أنه قلما يخطر ببالنا لكنه متفشي على جميع المستويات. 

فالخوف هو سبب التسلح الفردي والجماعي والدولي، وهو سبب تكديس الأموال في البنوك وهو سبب بناء الملاجىء وهو السبب الرئيسي وراء السعي للتأمين على الحياة ومختلف أنواع الضمان. الخوف يقف وراء ديانات وبدع كثيرة في هذا العالم، الخوف هو سبب التشاؤم والخرافات والاوهام والسحر عند الكثيرين من البشر، فهناك كثيرون مثلا يتشائمون من الرقم 13، ولذلك فقد امتنعت بعض الفنادق عن استعماله في ترقيم غرفها، كما امتنعت حتى بعض الطائرات عن استعماله في ترقيم مقاعدها.

عندما نفكر بعمق في المخاوف الرئيسية للإنسان، مثل الخوف من الأمراض والموت والكوارث والمستقبل والمجهول وما بعد الموت، نجد ان هذا الخوف في الحقيقة هو خوف الإنسان من الله نتيجة ابتعاده وانفصاله عنه. وهو خوف عميق دفين في باطن الإنسان خوف إما من عقاب الله له في حياته، أو انتظار لقاء الله والدينونة.

فما هي اسباب الخوف بحسب الكتاب المقدس، وماهي نتائجه، وكيف نتجنبه؟
السبب الأول للخوف، هو الخطية إذا رجعنا الى الاصحاح الثالث من سفر التكوين، نجد ان آدم وحواء لم يعرفا الخوف إلا بعد السقوط في الخطية بسبب كسرهما لوصية الله بأن لا يأكلا من ثمر شجر الجنة المحرمة. نقرأ ايضا "وسمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة. فنادى الرب الإله آدم وقال له اين انت فقال آدم سمعت صوتك في الجنة فخشيت (أي خفت) لأني عريان فاختبأت" (تك 3: 8- 9). قبل هذا الوقت لم يعرف آدم الخوف، ولكنه لما اذنب الى الله وعصا وصيته وقع فريسة للخوف. وهذا هو الشعور الذي يسيطر على الكثيرين من الناس اليوم، والسبب الخطية التي تفصلهم عن الله. وشعور الانسان بالانفصال عن الله هو كشعور الطفل عندما يبتعد عن أبيه وأمه.

السبب الثاني للخوف، هو الشيطان فالشيطان يخاف من الله ويملأ قلوب اتباعه بالشعور ذاته، ونجد في قصة مجنون كورة الجدرييين الواردة في الاصحاح الخامس من انجيل مرقس مثالا واضحا على ذلك، (فلما رأى يسوع من بعيد ركض وسجد له وصرخ من خوفه بصوت عظيم وقال ما لي ولك يا يسوع استحلفك بالله ان لا تعذبني). والشيطان يستعمل سلاح الخوف ليس مع اولاده فقط بل ايضا مع اولاد الله، بقصد ان يضعف ثقتهم بالرب ويحطم شهادتهم المسيحية، هذا ما اختبره التلاميذ لما كانت سفينتهم في وسط البحر معذبة في الأمواج، يخبرنا متى 14: 25 انه في الهزيع الرابع من الليل مضى اليهم يسوع ماشيا على البحر فلما ابصره التلاميذ اضطربوا قائلين انه خيال، ومن الخوف صرخوا. فابليس احيانا يثير المخاوف، وهو الذي يغذي روح الخوف فينا.

السبب الثالث للخوف، هو عدم الإيمان وهذا واضح في الاصحاح الثامن من انجيل متى (لما دخل يسوع في السفينة تبعه تلاميذه واذا اضطراب عظيم قد حدث في البحر حتى غطت الامواج السفينة وكان يسوع نائما، فتقدم تلاميذه وايقظوه قائلين يا سيد نجنا فإننا نهلك فقال لهم ما بالكم خائفين يا قليلي الايمان، ثم قام وانتهر البحر والريح فصار هدوء عظيم)، فالخوف والايمان لا يلتقيان، الخوف هو من الشك وعدم الثقة بالرب.

كلمة الرب تقول "لا تخف آمن فقط" (لو 8: 50). فمهما كانت اسباب خوفك فإن الايمان والثقة بالمسيح كافيان لأن يطردا الخوف من القلب، ويستبدلانه بالطمأنينة والراحة النفسية والروحية والفكرية. ضع مشكلتك بين يديّ الرب كما فعل التلاميذ في السفينة وستجد ان الذي ازال خوفهم قادر ان يزيل خوفك ايضا لأنه هو هو أمس واليوم والى الأبد.

نتائج الخوف
يقول سليمان الحكيم في امثال 29: 25 "خشية الانسان تضع شركا" أي ان خوف الانسان يوقع صاحبه في فخ، ويقول الرسول يوحنا في 1يو 4: 18 ان الخوف له عذاب، فالوقوع في فخ الخوف يعني المعاناة والعذاب نفسيًا وجسديًا وروحيًا.

وما اكثر الناس الذين يقضون اوقاتهم على أسرة المرض في عيادات الاطباء، بسبب الخوف وهم لا يدرون.

الخوف يشتت الذهن، ويعطل عن العمل ويفقد المرء متعة الحياة، ويقوده احيانا الى اعتزال المجتمع وكره الناس، الخوف يغير لون العينين ويحدث رجفة في الصوت واليدين والرجلين، ويحدث ايضا برودة في الجسم، ويضاعف ضربات القلب، واحيانا يؤدي الى الغيبوبة والغشيان. وقد اشار الرب يسوع الى هذه النقطة في لوقا 21 في حديثه عن العلامات التي تسبق مجيئه الى العالم، حيث قال ان (الامم والشعوب ستكون في كرب وحيرة وان الناس يغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة).

والعذاب الروحي ليس محصورا في هذه الدنيا بل يمتد الى الابدية، فالكتاب المقدس يضع الخائفين على رأس قائمة الاشرار الذاهبين الى النار الابدية، يقول الرسول يوحنا في سفر الرؤيا 21: 8 "اما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الاوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني". ان الخوف الوحيد المسموح به في الكتاب المقدس هو خوف الله، عدا ذلك نحن نقع في فخ الشيطان.

يخبرنا كاتب رسالة العبرانيين ان المسيح اشترك معنا في اللحم والدم لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي ابليس ويعتق اولئك الذين خوفا من الموت كانوا جميعا كل حياتهم تحت العبودية عب 2: 14. أي ان الشيطان استعبد الناس عن طريق الخوف من الموت، ولكن المسيح تجسد ومات لكي يقهر الشيطان ويحرر الانسان من خوف الموت وبالتالي من عبودية الشيطان.

فإن كنت تخاف من أي شيء، افعل مثل بطرس عندما خاف وابتدأ يغرق، يقول البشير متى ان بطرس صرخ الى يسوع قائلا: يا رب نجني، والنتيجة مد يسوع يده اليه وانقذه.

في المقال الثاني بنعمة الرب سأتناول كيفية اجتناب الخوف..

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
مقالات تابعة للسلسلة نفسها: