حياة الجهاد والنصرة في الإيمان

وليس بغريب أن يختتم الرسول هذه الرسالة المجيدة التي حدثنا فيها كثيرا عن النعمة، بهذه النغمة الشديدة القوية –نغمة الحرب! أليست الحياة كلها حربا وجهاداً؟ هذا ما تنادي به الطبيعة، فالقوي فيها يغالب الض
26 يناير 2019 - 12:26 بتوقيت القدس

تأملنا في مقالات سابقة من رسالة العبرانيين الاصحاح الحادي عشر، بحياة رجال ونساء الله في العهد القديم، ويتابع كاتب الرسالة انه يعوزه الوقت ان اخبر عن جدعون، وباراق، وشمشون، ويفتاح، وداود، وصموئيل والانبياء، الذين بالايمان قهروا ممالك، صنعوا بِرًا، نالوا مواعيد، سدُّوا افواه اسود، اطفأوا قوة النار، نجوا من حد السيف، تقوّوا من ضعف، صاروا اشداء في الحرب، هزموا جيوش غرباء، اخذت نساء أمواتهن بقيامة.

هؤلاء عاشوا حياة الايمان، بمعونة وقوة الرب لهم بكل ما قرأنا اعلاه، واذا تأملنا بهذه التحديات نراها امور ليست بقليلة ولا سهلة، بل بالفعل بحاجة الى ايمان قوي وثابت بالله.

يقول الكاتب انه يعوزه الوقت للاخبار بكل ابطال الايمان الانبياء، هم الذين عاشوا بكل امانة واخلاص مع الرب الاله، واليوم ما زال الله يبحث عن قلوب صادقة ونفوس مشتاقة لحياة الايمان الحقيقي به، حياة الجهاد والنصرة بالايمان كما عاش هؤلاء.

ولكن ان نكون مؤمنين حقيقيين بالله، هذا ليس معناه ان امور حياتنا الارضية يجب ان تسير "على ما يرام " وكما نخطط ونفكر نحن بانه الافضل لنا.

فاذا تابعنا بقراءة الاصحاح، نرى امور صعبة جدا واجهها هؤلاء الابطال، ولم تكن حياتهم دائمًا سهلة او كما ارادها كل انسان عادي، من راحة البال والهدوء الجسدي والنفسي، بل نرى انهم عُذِّبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة افضل، اي انهم كانوا امناء حتى الموت!

وآخرون تجربوا في هُزءٍ وجلدٍ، ثم في قيود ايضًا وحبسٍ، رُجِموا، نُشِروا، جُرِّبوا، ماتوا قتلًا بالسيف (ولم يَقتُلوا الآخرين بالسيف بحجة دعوة الله لهم لفعل هذا بل بالعكس!) طافوا في جلود غنم وجلود معزى، معتازين مكروبين مذلين، تائهين في براري وجبال ومغاير وشقوق الارض!

حتى في ايامنا هذه نسمع عن اخوة مضطهدين حتى الموت في بلاد العالم، فاين نحن وهؤلاء من حياة الجهاد في الايمان الحقيقي بالله؟

هل ما زلنا نقول ونعد كل شخص  اقترب للايمان الحقيقي بالله، وسمع كلمة الحياة بفرح، بان كل اموره سوف تكون "ممتازة" وان كل مشاكله سوف تحل عن قريب، وانه سوف يعيش حياة بدون صعوبات ومشكلات وتحديات؟!

لا اعتقد ان هذا التعليم صحيح، ويطابق حياة قديسي الله ان كان في العهد القديم أوالجديد ايضًا، لان يسوع نفسه قال ان الباب الذي يؤدي الى الملكوت ضيق جدًا، وان ملكوت السماوات يُغصب.

دعونا نتأمل حياة ايوب، والرسول بولس وغيرهم كثيرين، هل كانت حياة خالية من التحديات والاخطار وحتى الامراض؟

لكن نحن نعلم ان الله الصادق والامين لا يترك اولاده وحدهم في ضيقات هذه الحياة، وهذا ما يؤكده بولس في رسالة رومية 35:8 متسائلًا انه من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة ام ضيق ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف؟

نفهم من هذا اخوتي ان كل مؤمن معرض ان يكون مجرب بهذه الامور حتى حد السيف، لكن الله القدوس لا يتركنا حتى في هذه الظروف الصعبة جدًا، حتى لو وُضِع السيف على رقابنا، فنحن له ولا احد يفصلنا عن محبته حتى الموت، وكما هو مكتوب في المزمور الرابع والاربعين ورسالة رومية، انه من اجلك نُمات كل النهار، قد حُسِبنا مثل غنم للذبح.

فنحن علينا ان نتمثل بسيدنا المبارك الذي اطاع حتى الموت، موت الصليب، اهين، ضُرِب صُلِب ومات من اجلنا، وان كانوا قد فعلوا هدا بالعود الرطب، كم بالحري بالعود اليابس!

هذا هو ايماننا المسيحي، لا يهاب ولا يخاف حتى الموت، لا نَقتُل باسم الهنا بل نُقتَل لمجد اسمه، لانه في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي احبنا، ونحن على يقين مع الرسول بولس انه لا موت ولا حياة، ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوَّات، ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة، ولا عُلو ولا عمق، ولا خليقة اخرى، تقدر ان تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا.

نقرأ في رسالة بولس الثانية الى اهل كورنثوس 9:12، وعد الله لبولس ولكل مؤمن بالرب يسوع المسيح، "ان قوتي في الضعف تكمل" ويتابع بولس قائلًا انه يفتخر بكل سرور بضعفاته، لكي تحل عليه قوة المسيح. وهو يُسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لاجل المسيح.

وفي رسالة فيلبي يؤكد انه وهب لنا لاجل المسيح لا ان نؤمن به فقط، بل ايضًا ان نتألم لاجله، ولنا الجهاد عينه الذي رأيناه في حياة بولس وسمعناه منه.

وفي نفس الرسالة يقول الرسول انه تعلم ان يكون مكتفيًا بما هو فيه. فيقول اعرف ان اتضع واعرف ايضًا ان استفضل، في كل شيء وفي جميع الاشياء قد تدربت ان اشبع وان اجوع، وان استفضل وان انقص، استطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني.

وماذا عنا نحن اخوتي، هل اذا جُعنا وعطشنا واضطُهِدنا نغضب ونتذمر؟ ام نسلم امورنا بالكامل للآب الحنان الرحيم، الذي يعرف ما هو الافضل لنا حتى وسط الضيق والجوع والاحتياج.

نعلم جميعنا كم تألم الرسول بولس من اجل ايمانه المسيح، ولكن روعة ايمان رسول الامم انه لم يتألم فقط من اجل اموره الشخصية، بل كان على استعداد تام ان يتألم ايضًا من اجل الاخرين، لاجل الاخوة والكنيسة.

فهو من اكد قائلًا :
"انا افرح في آلامي لاجلكم، وأُكَمِّل نقائص شدائد المسيح في جسمي لاجل جسده الذي هو الكنيسة، التي صرت انا خادمًا لها، حسب تدبير الله المعطى لي لاجلكم، لتتميم كلمة الله" ( كولوسي 24:1 ).

كم بالحري علينا نحن اليوم ان نحمل اثقال بعضنا البعض، حتى وان نتألم من اجل الآخرين ومساعدتهم وبنيانهم.

بولس الرسول كان رجل ايمان بحياته واعماله قبل كلامه، وهو قبل ان يُعلم ويوصي تيموثاوس عن الجهاد المسيحي، عاش هذه الامور بحياته الشخصية، وكان شهادة حسنة ليس فقط لتيموثاوس بل لنا جميعًا، لذلك علَّم انه جميع الذين يريدون ان يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يُضطهدون ( تيموثاوس الثانية 12:3 ).

وفي نفس الرسالة 6:4 يشهد انه جاهد الجهاد الحسن، اكمل السعي وحفظ الايمان، جهاد الايمان والاناة والصبر والمحبة وليس جهاد السيف والرمح!

يعلمنا الكتاب المقدس ان عدونا الحقيقي هو ليس الانسان، ومصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل هي مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات، ويحثنا الرسول ان نحمل ترس الايمان في جهادنا الروحي، الذي به نقدر ان نطفىء جميع سهام الشرير الملتهبة ( افسس 16:6 ) هم يأتوا علينا بالسهم والرمح، ونحن نحارب باسم الرب الهنا، ويحبس عدو نفوسنا.

كذلك بطرس الرسول في رسالته الاولى 8:5 يشدد على اهمية الجهاد ضد عدو نفوسنا موصيًا في رسالته بان نصحوا ونسهر، لان ابليس خصمنا كأسد زائر، يجول ملتمس من يبتلعه هو. فقاوموه، راسخين في الايمان، عالمين ان نفس هذه الآلام تُجرى على اخوتكم الذين في العالم.

عدو لدود آخر للكنيسة وجماعة المؤمنين غير الشيطان هو العالم، لكن وعد الله لنا انه كل من ولد من الله يغلب العالم، وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم : ايماننا.

من هو الذي يغلب العالم، الا الذي يؤمن ان يسوع هو ابن الله ؟ ( يوحنا الاولى 4:5 ).

ويوصي الرسول ان لا نحب العالم ولا الاشياء التي في العالم، ان احب احد العالم فليست فيه محبة الآب. لان كل ما في العالم : شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة، ليس من الآب بل من العالم. والعالم يمضي وشهوته، واما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت الى الابد.

نحن لوحدنا وبقوانا البشرية غير قادرين ان نهزم الشيطان ولا العالم. لكننا نؤمن بالذي وعد بانه جرَّد الرياسات والسلاطين اشهرهم جهارًا، ظافرًا بهم بالصليب.

كذلك نؤمن ونثق بالمحبوب رب الكنيسة وسيدها، يسوع المسيح الذي قال لنا جميعًا:

" ثقوا، انا قد غلبت العالم ".

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا