لأنه يولد لنا ولد

ما أحوجنا جميعا في هذه الأيام ان نرجع في الذاكرة بالقلب والذهن معا إلى بيت لحم حيث هناك نزل الإله بتواضع كبير في مذود حقير، هناك احتاج المسيح وهو محرك كل شيء بكلمة من فمه والممسك الكون بسلطانه الباهر،
24 ديسمبر 2018 - 15:36 بتوقيت القدس

إن العنوان مأخوذ من أحد أهم النبوات عن المسيح، على فم النبي أشعياء قبل المسيح بحوالي 720 سنة؛ يتكلم عن حقيقة ذلك المولود، فيقول: "6 لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ السَّلاَمِ." أشعياء 9. (طبعًا هذا بعدما تنبأ أشعياء بمجيء المسيح بطريقة عجيبة، بالولادة من عذراء - أشعياء 7: 14).

هذه الآية لربما من أشهر واهم النبوات عن المسيح، حيث تؤكد أنه سيولد؛ وفي نفس الوقت تقول عنه أنه "إلهًا قديرًا" و "رئيس السلام". لكن هذه الآية أيضًا أتت كرد الله على حالة الشر لشعب إسرائيل، بشكل خاص؛ وهي تصور أيضًا رد الله على فساد وشر البشرية عبر العصور، بشكل عام. حيث يتنبأ الأصحاح الذي قبله، أشعياء 8، بدينونة الرب المزمعة أن تأت على مملكة إسرائيل الشمالية، من أشور؛ وعلى مملكة يهوذا الجنوبية، من بابل (أشعياء 8: 5-9).

وعلى ضوء حالة البشرية، وبشارة ميلاد المخلص العظيم، عمانوئيل؛ أوص الرب أشعياء وجميع المؤمنين الأمناء، بخمس تعليمات هامة جدًا وجوهرية لحياتنا اليوم ككنيسة تعيش وتخدم إلهها؛ خاصة في أرض المسيح، عمانوئيل؛ كما يسميها نفس الفصل، أشعياء 8: 8.

(1) لا تقولوا فتنة:
"11 فَإِنَّهُ هَكَذَا قَالَ لِي الرَّبُّ بِشِدَّةِ الْيَدِ وَأَنْذَرَنِي أَنْ لاَ أَسْلُكَ فِي طَرِيقِ هَذَا الشَّعْبِ قَائِلاً: 12 «لاَ تَقُولُوا: فِتْنَةً لِكُلِّ مَا يَقُولُ لَهُ هَذَا الشَّعْبُ فِتْنَةً وَلاَ تَخَافُوا خَوْفَهُ وَلاَ تَرْهَبُوا." أشعياء 8.

منذ وقت القديس جيروم فهم المسيحيون التقليديون صرخة "فتنة"، على أنها مرتبطة بصرخة عثليا إم الملك آخاز الشريرة، التي بعدما قُتل ابنها آخاز، أبادت جميع النسل الملكي وملكت هي. وعندما دخلت عثليا لبيت الرب، لتشهد تنصيب حفيدها، يوآش ابن أخزيا، الذي خبأته عمته يهوشبعه من بطشها 6 سنوات؛ ورأت أن نهايتها قربت، فصرخت "خيانة خيانة" (2 أخبار 23: 13). لكن هذا التفسير مرفوض من معظم المفسرين الجدد (أمثال ديليتش وهوفمان (Hofmann & Delitzsch))، حيث أن صرخة "خيانة" من عثليا، هي ليس خيانة فعلا، بل بالعكس هي تصويب الأمر بحسب مشيئة الرب! بينما المفسر روردا (Roorda)، يقول أن الله حذر من أن يتبع أشعياء طريق الفتنة ضد مختار الله يوآش؛ وينصاع للطريق الشرير السائرة به عثليًا. مع أن هذا التفسير أصح، لكنه بديهي جدًا جدًا على أي نبي أو إنسان قريب من الله في ذلك الوقت، حيث أن شر عثليا واضح وضوح الشمس!! لذلك يقول المفسر ديليتش، أنها دعوة عامة لأشعياء لعدم الاكتراث من أقول واتهامات الشعب ضده، بأنه مشترك بفتنة وخيانة ضد شعب إسرائيل، عن طريق أتهامه بالعمالة والخيانة مع ملك أشور. خاصة عندما يتنبأ بخسارة ودمار الشعب و"انتصار" الأشوريين. وهذه الاتهامات ذاتها، نراها تُنسَب لعاموس (عاموس 7: 10)؛ ولإرميا عندما دعا للخضوع لملك بابل (مثل إرميا 26 و27: 4-14)...إلخ.

وهذا التحذير يحث فيه الرب أشعياء ونحن جميعًا اليوم، أن نقول كلمة الحق الإلهية، ولا نجاري التيار السياسي لشعبنا الذي يحاول كل الوقت أن يتبرأ من مسؤوليته الخاصة، من الفساد والشر؛ ويسقط كل مشاكله على إسرائيل وأمريكا وغيرها! المصاب كل الوقت بهوس "الفتنة"، ونظرية المآمرة، وكأن العالم أجمع ساهر 24 ساعة في اليوم، منشغل كل الوقت بسن مكائد ضده!! نعم إذا انتقدته، كما فعل أشعياء وعاموس وإرميا، ربما ستتهم بالعمالة والخيانة؛ فلا تهتم لأقواله، ولا تخاف خوفه!! وطبعًا كما نعلم، دائمًا إبليس يخدع الأمم والشعوب عبر العصور بطريقتين أساسيتين: الأولى، أن يحيد نظرهم عن فداء وخلاص المسيح (2 كورنثوس 4: 4). لذلك يجب أن تظل رسالة الإنجيل هي محور كل ما نعيشه، نعمله ونتكلم به في مجتمعنا. والثانية، هي تعزيز ثقافة وضع المولمة على الآخرين المتفشية في شعبنا. وهي من أهم خدع الشيطان في عالمنا. صرف نظر ذهن الشعوب عن التوبة ونقد الذات؛ ووضع الملومة كل الوقت على الآخرين. وهذا تماما عكس طريق الله، الذي أبغض شيء في عيونه تبرير الذات. كما قال الله لشعب يهوذا على فم إرميا "هأَنَذَا أُحَاكِمُكِ لأَنَّكِ قُلْتِ: لَمْ أُخْطِئْ" (إرميا 2: 35). أما نحن، فيجب أن لا نسير في طريق هذا الشعب، ولا نجامله، ولا نتستر على تهربه من مسؤوليته الشخصية أبدًا. هذه رسالة الله لنا في هذا الميلاد وهذا الموسم، أن نكلم شعبنا ونواجهه بشره وفسادة عندما نتكلم بالعربي؛ نكلم المجتمع الاسرائيلي، نواجهه بفسادة وشره عندما نتكلم بالعبري. أن نواجه كل مجموعة بدورها ومسؤولياتها وليس بدور ومسؤولية الطرف الآخر، كما يفعل كثيرون. أيضًا كسر حالة البر الذاتي الذي عاش بها قادة كنائسنا، خاصة الكنائس التاريخية. فيدعون مثلا بأن السبب في تناقص عدد

المسيحيين، هو إسرائيل وغيرها!! فلم نسمع قائد واحد مسيحي منهم في آخر 70 سنة، يتوب على أي تقصير أو أي خطأ ارتكبه أي أحد منهم عبر كل العصور!!! فيجب أن لا نجاريهم على شر عقلية "الفتنة"، وندرك ونُعلِّم أن السبب في تناقص المسيحيين هو فقط نحن، وليس الآخرين. فلو كان صمود كنيسة المسيح، الذي وعد أن أبواب الجحيم لن تقوى عليها، معتمد على الظروف؛ لكنا فعلا أشقى وأفشل جميع الناس والمذاهب!! لكن حاشا ألف مرة؛ فالمسؤولية تقع فقط علينا، وليس على الرب ولا على الظروف. أليس هذا تمامًا ما حذر منه المسيح الذي قال لتلاميذه: "13 أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ، وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ" متى 5. نعم لأجل هذا تتحول الكنيسة من حالة: "أبواب الجحيم لن تقوى عليها" إلى حالة: "يداس من الناس"!! فعندما يحضر الإنسان المسيحي الكنيسة عشرات السنين، وبعدها يموت ليلاقي ربه، وهو لم يتعلم ولا مرة في حياته من قادة كنيسته كيف يتبع المسيح، هذه هي الكارثة الكبرى التي أدت إلى تناقض المسيحيين. التي سببها عدم أمانتنا نحن، وليس الظروف أو أي حجة أخرى. وهذا يقودنا للنقطة القادمة.

(2) المسيح هو أساس الافتقاد:
"13 قَدِّسُوا رَبَّ الْجُنُودِ فَهُوَ خَوْفُكُمْ وَهُوَ رَهْبَتُكُمْ. 14 <<<وَيَكُونُ مَقْدِساً وَحَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ>>> لِبَيْتَيْ إِسْرَائِيلَ وَفَخّاً وَشَرَكاً لِسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ. 15 فَيَعْثُرُ بِهَا كَثِيرُونَ وَيَسْقُطُونَ فَيَنْكَسِرُونَ وَيَعْلَقُونَ فَيُلْقَطُونَ." أشعياء 8.

فيجب أن نحمل هذه الرسالة في هذا الموسم المجيد، بأن ردنا على الأخطار السياسية هو ليس الهجرة، ولا وضع الملومة على الآخرين؛ بل التوبة وتقديس اسم الرب في حياتنا والعيش بأمانة له في كل مكان. وهذا التقديس يأتي من خلال "حَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ"، وهي إشارة نبوية من الفئة الأولى عن المسيح (أي من النصوص النبوية المُفسَّرة في العهد الجديد؛ هي جزء من العقيدة، لا غبار عليها - راجع رومية 9: 33 و1 بطرس 2: 8).

(3) لنركز على صنع تلاميذ:
"16 صُرَّ الشَّهَادَةَ. اخْتِمِ الشَّرِيعَةَ بِتَلاَمِيذِي. 17 فَأَصْطَبِرُ لِلرَّبِّ السَّاتِرِ وَجْهَهُ عَنْ بَيْتِ يَعْقُوبَ وَأَنْتَظِرُهُ. 18 هَئَنَذَا وَالأَوْلاَدُ الَّذِينَ أَعْطَانِيهِمُ الرَّبُّ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ فِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْجُنُودِ السَّاكِنِ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ." أشعياء 8. وهي دعوة واضحة "اخْتِمِ الشَّرِيعَةَ بِتَلاَمِيذِي"؛ نعم هذه رسالة الله لنا التذكيرية في هذا الموسم، أن نركز على تلمذة النفوس وإرسالها لشعبنا. وإن كنا مؤمنين جدد وليس رعاة، يجب أن نأخذ حياة الإيمان بمحمل الجد، وأن نطلب من الله أن ينمينا ويُرسلنا. وهذا أيضًا نص نبوي من الفئة الأولى كالذي قبله. حيث أن عبارة "هَئَنَذَا وَالأَوْلاَدُ الَّذِينَ أَعْطَانِيهِمُ" المذكورة أعلاه، يؤكد وحي العهد الجديد أنها تتكلم عن تلاميذ المسيح (راجع عبرانيين 2: 13).

(4) أخذ مواقف واضحة ضد شر إبليس:
"19 وَإِذَا قَالُوا لَكُمُ: «اطْلُبُوا إِلَى أَصْحَابِ التَّوَابِعِ وَالْعَرَّافِينَ الْمُشَقْشِقِينَ وَالْهَامِسِينَ». أَلاَ يَسْأَلُ شَعْبٌ إِلَهَهُ؟ أَيُسْأَلُ الْمَوْتَى لأَجْلِ الأَحْيَاءِ؟ 20 إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ! 21 فَيَعْبُرُونَ فِيهَا مُضَايَقِينَ وَجَائِعِينَ. وَيَكُونُ حِينَمَا يَجُوعُونَ أَنَّهُمْ يَحْنَقُونَ وَيَسُبُّونَ مَلِكَهُمْ وَإِلَهَهُمْ وَيَلْتَفِتُونَ إِلَى فَوْقُ. 22 وَيَنْظُرُونَ إِلَى الأَرْضِ وَإِذَا شِدَّةٌ وَظُلْمَةٌ قَتَامُ الضِّيقِ وَإِلَى الظَّلاَمِ هُمْ مَطْرُودُونَ." أشعياء 8.

إن النص يتكلم عن ذاته، نحن سفراء للمسيح الذي جاء لينقد أعمال إبليس (1 يوحنا 3: 8). فيجب أن نأخذ مواقف واضحة في الصلاة ضد الشر في الأرض ونحذر أهل الأرض من عبودية إبليس والخطية. أيضًا نعمل على نقض عمل إبليس في الأرض؛ لأن الكنيسة هي الوحيدة التي تحمل ذلك السلطان.

(5) لنتذكر أننا نعمل لملكوت سماوي وليس أرضي:
فبعدما يذكرنا الوحي في أول الأصحاح 9 من أشعياء، بأن الافتقاد يأت من النعمة الإلهية المُحبة للبشر، خاصة لأولئك الذين يعيشون في أقصى درجات الظلمة وظلال الموت (عدد 1-5)، يعطينا السبب في هذا الرجاء والافتقاد، بقوله "لأنه": "6 لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ السَّلاَمِ."

بعدها يذكرنا الوحي كجسد للمسيح، في العدد الذي بعده (7)، بأننا موجودين هنا على الأرض للعمل لملكوت سماوي لا يزول ولا ينقص، كامل وأزلي: "7 لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هَذَا." أشعياء 9. إذا نحن لسنا موجودين لأجل ترقيع الممالك الأرضية والابتلاع من سياسات العالم الأثيمة. بل للعمل في ملكوت الله ومشروعه المجيد لرد الإنسان من ملكوت العالم الموضوع في الشرير، لملكوت ابنه الحبيب، يسوع المسيح. ملكوت السلام والبر والعدالة التي لم ولن يعرفها البشر وممالكهم البالية أبدًا. يجب أن نتذكر في هذا الموسم دائمًا، أن هذا هو السبب التي افتقدتنا نعمة الرب المخلصة لأجله.

إذا دعونا نقدم للمسيح في هذا العيد، هدية تكريسنا الكامل له (رومية 12: 1-2). أن لا نسير في طريق شعبنا في البر الذاتي ونظرية "الفتنة" والمآمرة، ونأخذ مواقف واضحة من شره وفساده. أن يكون المسيح محور حياتنا ورسالتنا، لذلك يجب أن نعمل دائمًا معه في ملكوته السماوي الذي لا يفنى. فنركز دائمًا على تلمذة فعلة للعمل في كرمه وملكوته. 

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا