ذكر الأب اليسوعي لويس شيخو في كتابه- شعراء النصرانيّة- ج1 ص222 أنّ الشّاعر أمَيَّة بن أبي الصَّلت [كان مع قريش لمّا ظهر الإسلام فقاوم مُحَمَّدًا وحَرَّضَ قُرَيْشَ عليه. فلمّا أن سافر إلى الشام وعاد إلى الحجاز عَقِب وقعة بدر، مَرّ بالقلِيب، وهو بئر، فقيل له إنّ فيه قتلى بدر وإنّ منهم عُتبَة وشَيْبَة ابنَي ربيعة (بن عبد شمس بن مناف) وهما ابنا خال أميّة، فجَدَعَ أذني ناقته وقال قصيدته التي رثى بها مَن قُتِل مِن قريش ببدر وحَرَّضَها على أخذ الثأر] انتهى
عِلمًا أنّ أمَّ أميّة تدعى رُقيَّة بنت عبد شمس بن مناف، وأحد إخوتها يُدعى أمَيَّة أيضًا وهو جَدّ الأمويّين. أمّا عُتْبَة فهو والد الوليد الذي قُتِل في بدر أيضا، ووالد هند زوجة أبي سفيان بن حرب ومعاوية ابنهما. وبالمناسبة؛ كانت هند شاعرة متمكنة، ضاهت في رأيي الشاعرة الخنساء مُعاصِرتها. وقد روى اٌبن هشام في السيرة النّبَويّة- المجلَّد الثالث- قصيدة أمَيّة بن أبي الصّلت الرِّثائيَّة، نقلًا عن ابن إسحق، ثمّ قال: [تركْنا منها بَيتَين نال فيهما مِن أصحاب الرسول] وسوف ألقي ضوء على قول ابن هشام عند الحديث عن غزوة بدر و"الأنفال" في مقالة تحت عنوان "وقفة بين الكتاب المقدَّس وبين غيره – ج18 بين الخلاص والفرقان" فاقتطفت التالي ممّا روى:
ألّا بَكيْتَ على الكِرامِ بَنِي الكرامِ أُولي المَمَادِحْ
كبُكا الحَمَام على فروع الأيكِ في الغُصُن الجَوانِحْ
ماذا ببَدرٍ والعَقنقلِ مِن مَرازبةٍ جَحَاجحْ
أنْ قد تغيّرَ بَطنُ مَكّة فهْيَ مُوحِشة الأباطِحْ
مِن كُلّ بَطْريقٍ لِبَطريقٍ نقِيّ اللون واضحْ
القائِلين الفاعِلين الآمِرين بكلّ صالحْ
المُطْعِمِين الشَّحمَ فوق الخُبز شَحمًا كالأنافِحْ
لكِرامِهِمْ فوق الكِرامِ مَزِيَّة وَزن الرّواجحْ
كتثاقُل الأرطال بالـقِسطاس في الأيدي النَّوافِحْ
خذلتْهُمُ فِئةٌ وهُمْ – يَحْمُون عَـوراتِ الفضائحْ
ولقد عَـناني صوتُهُمْ – مِن بين مُسْتسْقٍ وصابحْ
للهِ دَرّ بَنِي عَليٍّ أيِّمٍ مِنهُمْ وناكِحْ
إنْ لمْ يُغِيروا غارة – شعواءَ تُحجر كلّ نابحْ
بالمُقْرِباتِ المُبْعِداتِ الطّامِحاتِ مع الطّوامِحْ
مُردًا على جُردٍ إلى – أُسُدٍ مُكالِبةٍ كوالحْ
ويُلاق قِرْنٌ قِرنَهُ – مَشْيَ المُصافِحِ للمُصافِحْ
بزهاء ألفٍ ثُمَّ ألفٍ بين ذي بَدَنٍ ورامِحْ
ــــــــــــــ
المُعارَضَة
لقد قررت معارضة هذه القصيدة المُؤثِّرة، أي مقابلتها بقصيدة من وزنها (مجزوء بحر الكامل) ومِن قافيتها وحرف الرَّوِيِّ الحاء، نظرًا إلى وجود تشابه ما بين الظرف الذي دفع الشاعر أمَيَّة بن أبي الصَّلت إلى إنشادها وبين الظرف الذي تمرّ به بلدان الخريف الناطقة بالعربيّة، كأنّها تعزية لمُحِبّي هذا الشاعر:
أضحى إذَنْ زمَنَ الفضائِحْ – كَفَتِ الضَّغائِن والمَذابحْ
إنّي أحَذِّرُكُمْ: يَراعي بالحقائقِ غيرُ مازِحْ
عِـثْتُمْ بما طُفتُمْ على الأنحاءِ تجْمَعُكُمْ مَصالِحْ
سَخَّرتُمُ الدِّين الذي للهِ في عَمَل القبائِحْ
راياتُكمْ، خُضْرًا وسُوْدًا، لا تلِيق بظِلّ سابحْ 1
بَلْ رايةٌ بيضاءُ يرفعُها المُسالِمُ والمُصافِحْ
ماذا فعلتُمُ بالعِراقِ ومِصرَ مِن عَبَثٍ وطالِحْ
ماذا اقترفتُم في الشَّآم ودعمُكُمْ مُخزٍ وفاضِحْ
وبسائر الأوطان ما – بَقِيَتْ مَخالبُ للجوارحْ
آوتكُمُ البُلدانُ قلتُمْ: داخلون بسيفِ فاتِحْ
مِنها العِراق، أعادَ نفحُ أريجهِ فتحَ القرائحْ
وعواصِمُ الصّحراء أطلقتِ السُّمُومَ على النوافِحْ
ألقتْ على المُدُن الظلامَ فغيَّرتْ بعضَ الملامِحْ
حَظِيَتْ بدَعْمٍ أجنبيٍّ هَمُّهُ الثرواتُ رابحْ
والأخطبوط يُرى هُنا – وهُناك، ليتَ البئرَ نازِحْ 2
سَبَّحتُ في بلدي الإلهَ الحَيَّ أهزَجُ بالمَدائحْ
وغدًا طريقي بَيْتَ لحْمَ أزورُها بجواز سائِحْ
مُتعلِّلًا مُتـبَسِّمًا – مُتنوِّرًا والحُبُّ واضِحْ
خسِئَ الغريبُ ووَجْهُهُ – في دارِ أهلِ الدار كالِحْ
...
ثِقْ يا أمَيَّةُ أنَّ شِعْرَكَ مُلهِمُ الشُّعَراءِ ناجحْ
نشدو بهِ بحرارةٍ – ما بين مُغتبطٍ ونائِحْ
قُلْ "باٌسمِكَ اللهُمَّ" أنّى قُلتَها: خيرُ الفواتِحْ 3
إذْ تطمَئِنّ إلى المَسيحِ، إلهُنا سَمْحٌ مُسامِحْ
رَفعَ الخطايا بالصَّليب وخصْمُهُ بالشّتمِ قادِحْ
لكنّهُ لنْ يَترُكَ الشِّرِّيرَ يَعْبَثُ بالمَسَارحْ
سَيَرُدّهُ رَدَّ الطّغاة جزاؤُهُمْ قاسٍ وفادِحْ
إنَّا سألْنا اللهَ نورًا للرّعِيّةِ لا يُبارحْ
لا جاهَ للقاضي إذا – ساوى المَمَادِحَ بالمَقابحْ 4
أو خالَ أنّ الوقت للعَثراتِ والأوهامِ سانِحْ
فمَنِ اٌرعوى خيرٌ لهُ – ذو اللُّبِّ يَقبَلُ بالنَّصائِحْ
بالعقل ميزانُ الأمور وبالدَّليلِ الرأيُ راجحْ
فليَشرَبَنْ ماءَ الحياةِ فغيرُهُ مَجٌّ ومالِحْ 5