أقدم هذه الوثيقة خاصة لكنيسة الشعب الفلسطيني، لتعزيز شفاء قلبها الحزين النائح من الألم، لكي تأخذ دورها في تعزية العالم العربي المنكوب في هذا الوقت الهام من التاريخ. وجزء هام من هذا الشفاء، هو معرفة مبسطة، عامة، وأساسية للمبادئ التي وضعها الله لنا، لإرشادنا عن كيفية فهم حالتنا السياسية، وكيف نتعامل مع نماذج مختلفة من الحكومات، في إطار المواطنة الصالحة التي تخدم ملكوت الله. نرى في الوحي الإلهي، مبادئ أظهرها الله من خلال تعامله مع الحكومات والشعوب على مر العصور؛ لإرشاد أي مؤمن يعيش في أجواء سياسية فيها ظلم، عن كيف يريده الله أن يكون؟ كيف يفهم مقاصد الله الصالحة له في وسط: الضيق، التشتت، الحروب، الدماء، اللجوء...إلخ؟؟ وأنا أحث كل مؤمن أن يقرأ هذه الوثيقة جيدًا، يفحصها بروح الصلاة؛ داعيًا بأن يفتقد الرب شعبه العربي من خلال كنيسة الشعب الفلسطيني.
عن الوثيقة:
أولاً: إن هذه الوثيقة تطرح مبادئ كتابية عامة، أؤمن أنها صالحة لكل زمان ومكان، وجوهرية لجميع الشعوب. فلم أطرح مثلا فيها قناعاتي الخاصة فيما يخص لاهوت نهايات الأزمنة؛ وهل هناك نبوات مرتبطة بوجود اليهود في الأراضي المقدسة اليوم؟؟ أيضًا لا تشمل قناعاتي من جهة ارتباط العهد القديم، مع الشعب اليهودي اليوم؛ وماذا عن ترتيب الله لتبعية الأرض في عصرنا الحالي؟؟
ثانيًا: لست أدعي أني أعرف الأجوبة لكل الأسئلة والقضايا؛ لكن سأقدم ما علمني اياه الرب خلال سنين طويلة من البحث والصلاة بروح غير متحيزة ومنفتحة للتعلم والبحث لرؤية الأمور من منظار الله. مصليًا بالإيمان أن يستخدم الله ما أقدمه ليُخرج منه أداة لشفاء وتقوية وإرشاد جسده، بإسم يسوع المسيح.
ثالثًا: سأقدم هذه الوثيقة بطريقة وثيقة إيمان لي أنا شخصيًا وهي لا تمثل عقيدة كنيسة الإتحاد المسيحي الإنجيلية في الأراضي المقدسة، التي أنتمي إليها. وهي تشمل 30 بند، إذا فهمها المؤمن المسيحي وعاشها، سيفهم خطة الله له في إطار أي دولة يعيش بها، وسيكون فعال.
رابعًا: سأقدم بنود الوثيقة مع شرح وإيضاح قصير جدًا لك بند؛ على أمل أن أقوم في الأسابيع والأشهر القادمة، بشرح كل بند ببنده على حدى بشرح كتابي موسع، للخلفية الكتابية التي نتج عنها.
ملاحظات هامة:
أولا: كنتيجة للملاحظات الكثيرة التي أقترحت على العام والخاص من الأخوة والأحباء، لقد قمت بتغييرات عديدة للوثيقة. لذلك في نهاية نشر كل الوثيقة، سأنشر النسخة النهائية منها؛ التي فيها أيضًا، أجريت تغييرات على ترتيب بعض البنود.
(كل ماسبق معاد من المقال السابق)
تابع وثيقة أيمان
21- أومن أنه ليس للكنيسة الحق أن تقاوم أو ترفض قلبيًا، سلميًا، أو فعليًا حكم مَنْ يحكم البلد؛ لأن هذه المنطقة هي تحت سلطان الله وحده؛ فلا يجوز لنا ككنسية وكأفراد أن نتلاعب بها. فعندما نتكلم عن المقاومة لحكم الحاكم هنا، نتكلم عن السعي نحو نقل حكم مناطق جغرافية معينة من حكم دولة لدولة أخرى (عن طريق المقاومة القلبية، السلمية أو الفعلية). فأؤمن أن قضية من يحكم البلد، لا يحق لنا ككنيسة أن نتلاعب بها؛ فالله له الأرض وهو يعطيها لمن يشاء (دانيال 4: 17 و25 و32). وهو يعرف ما هو الأفضل للبلد من نحو خطته لملكوته السماوي الأبدي (أعمال 17: 26). وهو يحدد مَنْ يحكم بقعة جغرافية معينية في وقت معين من التاريخ (رومية 13: 1-7 وكما يؤكد البند 12)؛ لذلك يجب أن نكون شاكرين له دائمًا وواثقين به من جهة هذا. أما السعي نحو إجراء تغيير في سياسات حكومية غير عادلة، مثل المطالبة بالعدالة والمساواة وحرية التنقل للشعب الفلسطيني وإعطائه حقوقه الإنسانية وأراضيه المصادرة ...إلخ (وهذا ينطبق طبعًا على أي شعب أو فئة مجتمعية آخرى؛ لكن مع مراعات البنود 8 و 9)، فهي مواقف كتابية من واجبنا أن نطالب بها؛ لكن دون أن نقاوم قضية مَنْ يحكم الأرض. أما كأفراد (وليس كموقف رسمي كنسي) ممكن أن ندلي باقتراحاتنا السياسية لحل النزاع وأن نُسمع صوتنا للمجتمع؛ بل هو واجب علينا كجزء من المواطنة الصالحة. إذا كان محمولاً بأولوية الملكوت وخالي من أي تمرد قلبي، سلمي، أو فعلي على حُكم الحاكم.
22- أؤمن أن الكنيسة مسؤولة من الله، أن تسكب نفسها بالصلاة أمامه لكي يحررها من الأنظمة والحكام الأشرار؛ مثل صراخ شعب إسرائيل أمام الله من ظلم فرعون (خروج 2: 23)؛ والوضع السياسي الكارثي الذي واجهه الناس إبان الحكم النازي؛ أو ما يواجهه الناس اليوم تحت حكم داعش.. وغيرهم. لكن يجب أن تطلب الكنيسة من الرب أن يرفع عنها هذه الكأس الصعبة بروح التوبة والتضرع؛ مع إعلانها للخضوع التام لإرادته (دانيال 9: 14-16 ونحميا 1: 5-11). وأن تشكره على حالتها السياسية دون تذمر؛ وتثق أنه قادر أن يتمجد من خلال الوضع، وحتى إن لم يحدث تغيير (مراثي 3: 21-26 حبقوق 3: 16-19)؛ إذا ثبتنا كمؤمنين بإخلاص للرب ورفضنا أن نعمل أي شيء مُخِل لأخلاقيات وحي كلمة الله.
23- أؤمن أننا ككنيسة يجب أن نسعى نحو السلام والمحبة والمساواة لجميع المواطنين في الدولة؛ أيضًا السلام السياسي الأرضي، وحتى إن لم يكن كاملا؛ وندرك أنه بحسب نص 1 تيموثاوس 2: 1-5، أهم هدفين للسلام الأرضي هما:
الأول: بناء على عدد 2 "لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً (السلام الأرضي) فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ". إن عبارة: " فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ"، تؤكد أن المحور الأول للسعي للسلام، يجب أن يكون حرية العبادة والإيمان لكل إنسان. فمثلا يجب أن نحارب من أجل توفير الحرية القانونية للمسلم، اليهودي، المسيحي والدرزي، بأن يؤمن بما يريد؛ دون اضطهاده من قبل حكومته، رجال دينه، أو شعبه. فمبدأ الإرادة الحرة في الإيمان والعقيدة التي وهبها الله لجميع البشر، هو من أهم المبادئ في أساسات الخليقة، التي وهبها الله لآدم ولنسله؛ لذلك يجب أن نسعى دائمًا لتوفيره والدعوة المستمرة لعدم انتهاكه.
الثاني: بحسب الأعداد 3 و4 "... الله الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ"، يجب أن يكون سعينا للسلام، متمركز حول خلاص شعبنا، وليس لأجل السلام والعدالة كهدف. أي أن يكون وزننا للأمور من جهة الترتيب السياسي، غير مبني على استحساننا أو استحسان شعبنا؛ بل حسب ما هو الأفضل لملكوت الله الذي دُعينا لنخدمه ونخلص له.
24- أؤمن أن الحروب والنزاعات العنيفة، التي تخوضها الحكومات والتنظيمات هي ليس من الله. فالله صالح "يتكلم بالسلام للأمم" (زكريا 9: 10)؛ ويريد أن يملأ البشر بالخير والرجاء (إرميا 29: 11). لذلك يجب أن ندعو الحكومات والأحزاب دائمًا للحلول السلمية؛ لأن الدم والقتل هو من الشرير (يوحنا 8: 44). بناء على ذلك، يجب أن تكون صلواتنا دائمًا أن يرشد الله القادة والحكومات لأخذا القرارات الحكيمة، الصائبة والسلمية، المؤسسة على تجنب القتل والدماء والدمار؛ ولتحقيق العدل والمساواة والحياة الكريمة للجميع.
25- أؤمن بأن الله حافظ عهده مع الشعب اليهودي ولن ينكثه معه أبدًا، لأن حفظه له معتمد على أمانة وصدق الله وليس على صدق وأمانة اليهود. وإيضًا عهد الله لهم معتمد على وعده في وحيه المقدس؛ لذلك أؤمن أن الله سيفتقد الشعب اليهودي في الأزمنة الأخيرة بالخلاص، من خلال قبولهم الطوعي لفداء يسوع المسيح وإدراكهم أنه هو المسيح المنتظر مخلصهم ونازع خطاياهم، كما يؤكد وحي العهد الجديد: "26 وَهكَذَا سَيَخْلُصُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «سَيَخْرُجُ مِنْ صِهْيَوْنَ الْمُنْقِذُ وَيَرُدُّ الْفُجُورَ عَنْ يَعْقُوبَ 27 وَهذَا هُوَ << الْعَهْدُ مِنْ قِبَلِي لَهُمْ >> مَتَى نَزَعْتُ خَطَايَاهُمْ" رومية 11.
26- أؤمن أن الأراضي المقدسة، ليست بالضرورة جزء من هذا العهد الكائن في رومية 11، في عصرنا الحالي؛ ووجودها تحت سيادة الشعب اليهودي اليوم، ليس حتمي لتحقيق الوعد الإلهي لهم. لكن هذا لا ينفي أن الله أعطاهم سيادة على جزء من الأرض في هذا الوقت من التاريخ وجمع جزء منهم فيها؛ كما أعطى الفلسطينيين سلطان على جزء أيضًا منها؛ ويجب أن نخضع لهذه الحقيقة والترتيب على أنه من الله (بحسب أعمال 17: 26 والبند 12).
27- أؤمن أن لله السلطان التام على تسمية الأراضي والبلدان كما يشاء. وقد أحيى إسم إسرائيل كدولة على جزء من الأراضي المقدسة، التي كانت جزء من فلسطين البريطانية الكبرى قبل عام 1948 (حيث ضمت فلسطين الكبرى على وقت الانتداب البريطاني، جميع الأراضي المقدسة وكل دولة الأردن اليوم!!)؛ وأيضًا يسمي الأراضي المقدسة وحي العهد الجديد "أرض إسرائيل" مرتين، في متى 2: 21-22؛ لذلك أعتبر هذا اسمها الذي لن أخجل من استخدامه، وأؤمن بأن الإشارة لها بفلسطين، تظهر تمردًا على ترتيب الله!! كما أن الإشارة لدولة الأردن اليوم بفلسطين، هو تمرد على سلطان الله، كون الله غير اسمها للأردن. أما استخدام إسم "فلسطين" للجزء الذي تحت سيادة الفلسطينيين، فهو صحيح؛ حيث أقام الله عليه أيضًا حكم فلسطيني (بناء على أعمال 17: 26 ورومية 13: 1-7).
28- أؤمن أن اسم الشعب الفلسطيني هو اسم قد دعي عليه من قبل المسيح شخصيًا، بناء على فدائه للأسماء وسيادته عليها (أفسس 1: 21)؛ وضمه لجميع الشعوب والألسنة في إطار شعب الله الواحد؛ وهذا يؤكده الوحي: "15 الَّذِي مِنْهُ تُسَمَّى كُلُّ عَشِيرَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَعَلَى الأَرْضِ" أفسس 3. وأؤمن بأن اعتبار البعض أن كلمة فلسطين هي من الشرير، غير صحيح!! فحتى لو كانت الأسماء لها معاني شريرة في الأصل، أو ضد الله. فالوحي يؤكد قوة فداء المسيح وتطهيره للأسماء ومعانيها، وتقديسها لتخدمه وتمجده (رؤيا 5: 9).
29- أؤمن بأن إسم المدينة المقدسة هو "أورشليم" لكن أيضًا يسميها وحي الكتاب المقدس "مدينة القدس" في نحميا 11: 1 "... لِلسُّكْنَى فِي أُورُشَلِيمَ، مَدِينَةِ الْقُدْسِ (עִיר הַקֹּדֶשׁ)..." (أيضًا في أشعياء 48: 2)؛ لذلك فلا يوجد أي مشكلة لي كمؤمن في تسميتها "مدينة القدس" أو "أورشليم" لأن الكتاب المقدس يسمي المدينة المقدسة بهذين الاسمين معًا.
30- أؤمن أن الله دعانا أن نحب جميع الناس والشعوب دون أي تمييز أو تفرقة؛ ونسعى للسلام والخير بين الناس والمجتمع والحكومات والأحزاب. السلام المبنى على المبادئ الإلهية والإنسانية التي تتوافق مع الوحي الإلهي؛ والمحاطة بالعدل، المساواة وحرية العبادة، والحياة الكريمة التي فيها الحكومة تضع مصلحة المواطن فوق أي مصالح شخصية، سياسية، أو حزبية. أقبل جميع البنود والمواثيق الإنسانية والحقوقية التي سنتها مؤسسات ودول، التي لا تتعارض مع الوحي الإلهي.
خاتمة
في الحقيقة ما حركني لكتابة هذه الوثيقة هو أمرين:
أولا، صعوبة التوحد حول تفسير مُوحَّد للنبوات ولاهوت نهايات الأزمنة:
كنتيجة لاشتراكي في حوارات وخدمات كثيرة بين المؤمنين بالمسيح من خلفية عربية ويهودية، على طوال الاثنين وعشرين سنة الأخيرة، لاحظت أنه من الصعب جدًا أن نتوصل لأرضية مشتركة كمسيحيين عرب ويهود على أساس فهم موحد للحلول السياسية والنبوَّات وتعاليم نهايات الأزمنة. لكن أؤمن أننا ممكن أن نتوحد على أرضية المبادئ الإلهية الأخلاقية/السياسية العامة التي حاولت أن أطرحها من خلال الوثيقة. فالمبادئ الكتابية العامة هي صالحة لك زمان ومكان، لجميع الشعوب في جميع الأنظمة والحكومات والحالات السياسية. وفهمها والإيمان بها، يوحد المؤمنين في كل مكان، وحتى لو لم يتفقوا على لاهوت نهايات الأزمنة وتفسير النبوات التي تتعلق به.
ثانيًا، فهم مبادئ الله السياسية، لكي نستطيع أن نخدمه في إطار أي حكومة ونظام:
أرى فوضى وضياع يعم الكثير من المؤمنين الذين يعيشون في إطار حكومات ظالمة، حالات فواجع، حروب، لجوء...إلخ. وكثيرًا ما يتعذر على الكنيسة فهم مبادئ إرادة الله الصالحة من خلال الحروب والفواجع الضيقات؛ مما في الكثير من الأحيان، يجعل الكنيسة تعكس نفس تصرفات وآراء أهل العالم الوطنية والسياسية!! لذلك أؤمن أنه إذا فهمت الكنيسة في كل مكان في العالم هذه المبادئ، ستكون فعالة بملئها في إطار أي حكومة أو دولة يضعها الله فيها وستفهم إرادة الله الصالحة لها. وستقدر أن تختبر إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة لها، في وسط أي ظروف سياسية تعيشها. وستكون فعلا كمدينة موضوعة على جبل، وكملح ونور في الأرض (متى 5: 13-14)؛ وستكون ذراع الرب على الأرض، قوية لا تقهر ولن تقف أمامها أي قوة شريرة في هذا العالم (أشعياء 51: 9)؛ ولن تتقلص وتتراجع أبدًا، لا عددا ولا إيمانًا (أشعياء 9: 7)، بل لن يقوى عليها أبوب الجحيم فعلا (متى 16: 18).