وقفات مع شخصيات "قصة السامري الصالح" الانسان واللصوص

روى الرّبّ يسوع قصة السامري الصالح كجواب على سؤال الناموسيّ حول من هو القريب، وبذلك استخدم أحد أساليبه المشوّقة والمؤثرة في التعليم والتفكير النقدي
13 أغسطس 2018 - 12:04 بتوقيت القدس

بعد أن تحدثنا ببعض التفصيل التأمليّ عن شخصيات الحوار في قصة السامري الصالح، فتأملنا بالراوي أي شخص الرّبّ يسوع المسيح، وتحدثنا عن السائِل أي الناموسيّ الخبير بتعاليم الناموس ألا وهي الشريعة اليهودية التي كان لها معلّمًا، وفكرنا في المستمعين. وصلنا الآن لمحطة التأمل في شخصيات المثل/القصة، لننال منها فائدة عملية لحياتنا.

شخصيات القصّة:

روى الرّبّ يسوع قصة السامري الصالح كجواب على سؤال الناموسيّ حول من هو القريب، وبذلك استخدم أحد أساليبه المشوّقة والمؤثرة في التعليم والتفكير النقدي والابداعي. شملت قصة السامري الصالح مجموعة شخصيات وهي: الإنسان الذي وقع بين اللصوص، اللصوص، الكاهن، اللاوي، السامري، صاحب الفندق.

انسان:

هو صورة عني وعنك، نحن الذين خُلقنا على صورة الله (تكوين 1: 27) لفرط محبته لنا. إنسان يهوديّ الجنسية على الأغلب، كان نازلًا في منحدر جغرافي من أورشليم (ترتفع حوالي 760م عن سطح البحر) إلى أريحا (أقدم مدن العالم وأكثرها انخفاضًا، تنخفض حوالي 260م تحت مستوى سطح البحر)، وقد يعبّر هذا النزول الجغرافي من أقدس مدينة اعتُبرت في ذلك الحين حيث كان فيها هيكل الرّبّ، إلى المدينة التي لعن يشوع من يعيد بناءها وتنبأ بموت بكره وصغيره، "قائلًا: ملعون قدام الرّبّ الرجل الذي يقوم ويبني هذه المدينة اريحا. ببكره يؤسسها وبصغيره ينصب أبوابها" (يشوع 6: 26).

كل منا ضلّ طريقه وابتعدنا عن الرّبّ (اشعياء 53: 6)، "الجميع زاغوا وفسدوا معا. ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد" (رومية 3: 12)، تركنا ينبوع الماء الحيّ بحثًا عن متع الدنيا (ارميا 2: 13)، فأصبحنا نشتهي الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله (لوقا 15: 16-17)، مع أنه في بيت الآب غنى النعمة والبركة، وفوق الكل ينبوع الخلاص والشبع والحياة. لقد تركنا نبع ومصدر الحياة الحقيقي وانصرفنا نزولًا بل تدهورًا في طريقنا باحثين عن الأفضل، فتلقفنا ابليس ووجدنا لقمة سهلة للمضغ والتعذيب.

لصوص:

اللصوص هم أشخاص تبنوا أسلوب حياة قطع الطريق وسلب أموال وحاجات الآخرين وغالبًا ما يتحدون ليكونوا عصابات تعمل معًا لإيذاء الآخرين بهدف تجميع الأموال بطريقة "سهلة". أشخاص رفضوا سنة الحياة التي وضعها الرّبّ للبشر متمثلين بآدم "بعرق وجهك تأكل خبزًا" (تكوين 3: 19)، وجلسوا يخططون ويتآمرون وقاموا ليسلبوا وينتزعوا ثمر وحصيلة عرق جبين الآخرين.

لقد ترقب اللصوص، مرور مسافر في الطريق، وكانوا يفضلون غالبًا أن يكون بلا رفقة. وعندما لاحظوا إنسانًا يمرّ الطريق لوحده، هجموا عليه كرجل واحد، وابتدأوا بإيذائه "فوقع بين لصوص فعروه وجرحوه ومضوا وتركوه بين حي وميت" (لوقا 10: 30). لا نعرف عدد اللصوص، وبما أنهم مجموعة لصوص فقد كانوا ثلاثة أشخاص على الأقل، وجميعهم اتفقوا على فعل الشرّ ولم يكن بينهم صاحب ضمير حيّ، كما لا نعلم ماذا كان مكسبهم من هذه العملية اللصوصية، فقد يكون استهدافهم للإنسان وتعريته من لباسه هو سلب ثيابه أو ما في ثيابه إن وُجد شيء له قيمة، ولكنهم لم يكتفوا بتعريته بل استخدموا العنف تجاهه فآذوه، وأوغلوا في تعذيبه بلا رحمة حتى أصبح في وضع حرج ما بين حيّ وميت، وتركوه مُعذبًا لمصيره بلا رأفة أو ذرة رحمة من جهتهم وبلا حول ولا قوة فيه.

في الواقع غالبًا ما نسير في حياتنا غير متنبهين لوجود مثل هؤلاء اللصوص المنتظرين الإيقاع بنا، وهم مُختفين في معظم مفترقات طُرق الحياة، أناس مختبئين "بين الصخور وعلى المفترقات" يطلبون ما لدينا، وقد يطلبوا الأذى لنا دون أي مبرر ليشبعوا رغبات شريرة مريضة لديهم، أناس يصدق فيهم وينطبق عليهم، قول الرسول بولس في الوحي المقدس "حنجرتهم قبر مفتوح. بألسنتهم قد مكروا. سمّ الاصلال تحت شفاههم. وفمهم مملوء لعنة ومرارة. أرجلهم سريعة إلى سفك الدم. في طرقهم اغتصاب وسحق. وطريق السلام لم يعرفوه. ليس خوف الله قدام عيونهم" (رومية 3: 10-18). كذلك نبهنا الرّبّ من لصوص يدّعون النبوّة والرسالة السماوية وهم أنبياء كذبة، وما زالت سمومهم تنتشر في كل أنحاء العالم بتسميات مختلفة لضلال الكثيرين "جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص، ولكن الخراف لم تسمع لهم... السارق لا يأتي الا ليسرق ويذبح ويهلك" (يوحنا 10: 8-10)، كما وبّخ الرّبّ يسوع رجال الدين وكل المنتفعين من التجارة بالدين من خلال تسويق منتجات وطقوس وعادات لا علاقة لها أبدًا بالإيمان القويم بل تحوّل الايمان الحقّ لمجرد إتمام واجبات، فواجههم قائلًا «مكتوب: بيتي بيت الصلاة يدعى. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص!» (متى 21: 13 ومرقس 11: 17).

قد نكون نحن أحيانًا هؤلاء اللصوص عندما نغتاب أحدًا أو نحسد أو ننشر الاشعاعات أو نشوه في أعرض وحياة الآخرين، عندما لا نعطيهم حقهم الكامل أو نقتنص من حقهم، أو ندعي ما ليس لنا أو فينا، وتطول

القائمة... لذلك ينبهنا حكيم الأجيال سليمان "يا ابني إن تملقك الخطاة فلا ترض. إن قالوا هلم معنا لنكمن للدم لنختف للبريء باطلًا. لنبتلعهم أحياء كالهاوية وصحاحًا كالهابطين في الجب. فنجد كل قنية فاخرة نملأ بيوتنا غنيمة. تلقي قرعتك وسطنا. يكون لنا جميعًا كيس واحد. يا ابني لا تسلك في الطريق معهم. امنع رجلك عن مسالكهم. لأن أرجلهم تجري إلى الشر وتسرع إلى سفك الدم. لأنه باطلًا تنصب الشبكة في عيني كل ذي جناح. أما هم فيكمنون لدم أنفسهم. يختفون لأنفسهم..." (أمثال 1: 10-19).

من المؤسف أيضًا تفشي قيادات لصوصية على كافة مستويات العمل المجتمعي والسياسي، فهنالك قادة تسلب شعبها ومجتمعها ومؤسساتها، تسلب أمواله، تأكل معيشته، تحُط من كرامته وحريته، ولا تهتم بسلامته وسلامه، تتركه مستعبدًا للفقر والمرض والجَهل، دون ان تدرك المسؤولية الملقاة على عاتقها، تنغّص حياة شعبها بإثارتها المشاكل والحروب والصراعات والفِتَن لترضي وتحقق طمعها وجشعها وسلطتها.

لنرفع صلاتنا كداود للرّب ليحفظنا وينقذنا من الأشرار "أنقذني من اعدائي يا إلهي، من مقاوميّ احمني. نجني من فاعلي الاثم ومن رجال الدماء خلصني. لأنهم يكمنون لنفسي. الاقوياء يجتمعون عليّ لا لإثمي ولا لخطيتي يا رب" (مزمور 59: 1-4).

يتبع...

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا