مُتُّم مع المسيح... قُمتُم مع المسيح...‎

وهذه الدعوة هي لنا جميعًا، ان نموت عن ذواتنا وعن العالم، كما اوصانا الرب يسوع، ان اراد أحد ان يتبعه، عليه ان ينكر ذاته، يحمل صليبه ويتبع يسوع المسيح من كل القلب.
25 ابريل 2018 - 00:33 بتوقيت القدس

تأملنا في مقالات سابقة، بكلمات ربنا ومخلصنا يسوع المسيح وهو على الصليب له كل المجد، العطايا والبركات الروحية التي ينالها كل مؤمن من خلال الاعلانات من فمه المبارك، اولها يقين الخلاص والحياة الابدية.

قرأت العديد من التعليقات على موقع التواصل الاجتماعي لهذا الموقع المبارك، من اشخاص كثيرين من دول عربية، ومع انه لم يكن اي تهجم او اهانات ضد اي شخص، بل الكلام كان بشكل موضوعي ومن كتابنا المقدس، ولكن وللأسف الشديد كان هنالك الكثير من التعليقات التي تعاند بل تستهتر لدعوة الله لمعرفة الحق الالهي، كذلك الحقد الشديد والكراهية لكلمة الصليب والمصلوب الحبيب! 

لكن نحن نصلي لهؤلاء الاحباء، ان يلمس الله قلوبهم، ليدركوا مع جميع القديسين الغنى الروحي من خلال الصليب وعمل المسيح الكفاري، بموته وقيامته في اليوم الثالث.

ولكن هل الصليب، الموت على الصليب والقيامة كانوا فقط لربنا يسوع المسيح؟

نقرأ في رسالة بولس الرسول الى اهل كولوسي 20:2:

" إذًا ان كنتم قد متم مع المسيح عن اركان العالم، فلماذا كأنكم عائشون في العالم؟ "

نرى هنا ان رسول الامم بولس يخاطب المؤمنين، انه من المفترض ان يكونوا قد ماتوا عن اركان العالم، افكاره، شهوته ورغباته، التي تجذب كثيرين ورائها وللابتعاد عن الإيمان الحقيقي بالله الحي، وحتى التمسك بعبادات نافلة (اي لم يأمر بها الله) والتي هي تعاليم الناس، مثل لا تمس، لا تذق ولا تَجُس! والتي كما يقول الرسول وبحق انها ليس بقيمة ما من جهة اشباع البشرية، لأنها خارج بل تناقض تعاليم كلمة الله الكتاب المقدس.

بولس يعلن انه علينا ان نموت مع المسيح عن اركان العالم، وليس بالمعنى الحرفي نموت بل بالمعنى الروحي، اي ان نموت عن ذواتنا بطبيعتنا القديمة، التي تطلب رغبات الجسد والشهوة الردية، ولا تهتم بل تبغض البِر الالهي.

تكلم بولس كثيرًا عن حاجة المؤمن ان يموت عن ذاته، كما نقرأ في غلاطية 20:2، مع المسيح صلبت، فاحيا لا انا، بل المسيح يحيا فيَّ، فما احياه الان في الجسد، فانما احياه في الايمان، ايمان ابن الله، الذي احبني واسلم نفسه لاجلي.

وكما يعلن الكتاب ان محبة المسيح تحصرنا، ونحن نتشبه بموت المسيح على الصليب، لكي نُدفَن معه بالمعمودية للموت، وان انساننا العتيق قد صُلب معه ليُبطل جسد الخطية، كي لا نعود نُستعبد ايضًا للخطية، وان كنا قد مُتنا مع المسيح، نؤمن اننا سنحيا ايضًا معه.

هذا الكلام الرائع والمبارك من رسالة رومية الاصحاح الرابع، يذكرني بتعليق أحد الاشخاص على احد المقالات، بان الكلام في المقال يدعوه لأن يُخطئ، لان المسيح يغفر له! طبعًا نقول ان هذا الكلام ليس صحيح لان المسيح ليس بخادم للخطية، حاشا! (غلاطية 17:2)، بل يدعو كل واحد منا ان يتوب عن خطاياه، التي حملها المسيح بجسده على الصليب.

نحن نعلم ان بولس (وكل مؤمن باسم ابن الله الحي)، لم يُصلب بالجسد مع المسيح، ولكن المعنى هو روحي انه علينا كلنا ان نموت على ذواتنا، وكما يتابع بولس في غلاطية 14:6، انه لا يفتخر الا بصليب ربنا يسوع المسيح، الذي قد صلب العالم له، وهو للعالم.

وهذه الدعوة هي لنا جميعًا، ان نموت عن ذواتنا وعن العالم، كما اوصانا الرب يسوع، ان اراد أحد ان يتبعه، عليه ان ينكر ذاته، يحمل صليبه ويتبع يسوع المسيح من كل القلب.

ان حمل الصليب اخوتي هو ليس مرض في اجسادنا، ولا حتى الم نفسي او اضطهاد ضدنا، بل هو قرار راسخ في قلوبنا، ان نقول لا للأنا والذات وشهواتها، ونقول كل يوم نعم للمسيح، مشيئته ودعوته المقدسة لحياتنا.

طبعًا هذا الامر صعب جدًا، خاصة في هذه الايام الشريرة، والتي يُجَدف بها على الانجيل، على ابن الله الحي يسوع المسيح، وعلى دعوة الله الآب للامم للتوبة والخلاص، لكن الله القدوس الامين، قادر ان يحفظ ايماننا ورسالة الانجيل المقدس في قلوبنا، لانه يعرف ضعفاتنا وزلاتنا، ولانه لم يأتي ليديننا بل ليخلصنا، ويثبتنا في تعاليمه وملكوته، وهو الذي لا يقصف قصبة مرضوضة، وفتيلة خامدة لا يطفىء (اشعياء 3:42).

يتابع بولس في كولوسي الاصحاح الثالث، معلنًا لنا اهمية قوة قيامة المسيح في حياتنا، وانه لا يكفي لنا ان نموت عن ذواتنا وعن العالم، ولكن علينا ان نختبر قوة القيامة اليومية، وهو طبعًا لا يقصد بالقيام من الاموات، عند رجوع المسيح الثاني واختطاف الكنيسة، لكن المعنى هو عن قيامتنا بقوة الروح القدس اليوم، عندما نخلع الانسان العتيق مع اعماله، ونلبس الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه. ويؤكد بولس على هذا المعنى الروحي للقيامة في رسالة افسس 6:2:

" واقامنا معه، واجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع.

لهذا يشجعنا الرسول بولس ان لا نطلب فقط ما هو فوق، حيث المسيح جالس عن يمين الله الآب، بل ايضًا ان نهتم بما فوق لا بما على الارض، لأننا قد متنا، وحياتنا مُستَتِرة مع المسيح في الله. 

ويتابع في العدد 11، ان المسيح هو الكل وفي الكل، اي انه ليس بمقدورنا نحن بقوتنا البشرية ان نقول لا للخطية وللعالم، ونحيا حياة جديدة ان لم يكن المسيح هو كل شيء، هو صاحب السلطان والقدرة بقوة وعمل الروح القدس، ان يقدسنا ويكرسنا لملكوته المبارك، هنا على الارض، كاننا نحيا السماء على الارض.

بعد دعوة بولس بان نطلب ونهتم بما فوق، يتابع بانه علينا ايضًا ان نُميت اعضائنا التي على الارض، والتي هي الزنا، النجاسة، الهوى، الشهوة الردية والطمع الذي هو عبادة الاوثان.

تكلم ربنا يسوع في الاناجيل عن العمق الروحي لمعنى الزنا، انه ليس فقط ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج المقدس، مع امرأة واحدة ووحيدة كل ايام حياتنا، وانه بعد الطلاق لا يجوز ان نتخذ امرأة اخرى، لا ثانية، ثالثة ولا رابعة! بل علمنا تبارك اسمه معنى القداسة والطهارة في نطاق الزواج المقدس، وانه حتى لو نظر احد الى امرأة ليشتهيها، فقد زنا بها في قلبه.

دعونا نتعلم من رجال الله القديسين، من امثال ايوب الصديق، الذي علمنا من خلال سيرة حياته الطاهرة انه لا يجوز لنا حتى النظر بدافع الشهوة الرديئة، عندما قال في كتابه ايوب 9:31، "ان غوي قلبي على امرأة"، فهو يقول ان هذا الامر رذيلة (وليس حلال!)، وهي اثم يُعرض للقُضاة، لأنها نار تأكل حتى الى الهلاك، وتستأصل كل محصولي.

كذلك يقول ايوب في 1:31 أكثر وأعمق من ذلك، لأنه نبي من عند الله، تكلم بروح النبوة كلام يذكرنا بكلام السيد المسيح قائلاً:

" عهدًا قطعت لعيني، فكيف اتطلع في عذراء؟ "

بعد هذا الاعلان المبارك على فم ايوب، وتعاليم ربنا يسوع المسيح في الاناجيل، هل هنالك بمستهتر بعد او حتى مجدف على ايماننا المسيحي الطاهر المقدس؟!

توبوا عن زناكم وشهواتكم، وتعالوا لأقدام سيد السماء والارض، تعالوا اسكبوا قلوبكم وشهواتكم عند اقدام صليب الرب يسوع، لعلكم تجدون مكان للتوبة من فخ الصياد، الشيطان، وتتمتعوا بحرية اولاد الله، التي كلفت يسوع المسيح سفك دمه على الصليب.

وان كان الزنا لا يكفي لنخس القلوب المتحجرة، وسماع التجديف على الانجيل وعلى حبيبنا المسيح يسوع الرب، فما بالكم والغضب، الذي يملأ مجتمعاتنا، السخط، الخبث، التجديف والكلام القبيح من افواهكم، انتم يا من لا تكفون عن اللعن والشتيمة لكل بِر وبار، كذلك الكذب الذي اصبح لكم "حلال" بأمر من الله، وحاشا لله وهذه التعاليم الشيطانية، بانه يحق ان نكذب على النساء لحفظ الزواج! يحق للكذب وقت الحروب، واي حروب ؟!، كذلك استخدام الكذب للاقناع في سبيل الله، هذا اسمه خزي وعار!

تعالوا الى السيد المسيح ورسله القديسين امثال ايوب، اسمعوا كلمة الله على فم رسول الامم بولس وارجعوا الى الله الآب، من خلال معبر الصليب.

تعالوا والبسوا مع قديسين الله المختارين المحبوبين، احشاء رأفات، لطفًا، تواضعًا، وداعة وطول اناة، التي تشهد عن عمل الله الآب القدوس في قلوب المؤمنين باسم ابنه الحبيب يسوع، الذي علمنا ان نحتمل الجميع ونسامح ايضًا، كما غفر لنا المسيح ايضًا، 

ونحن نعلم انه ان ضعفنا واخفقنا في احدى هذه التعاليم المقدسة من كتابنا المقدس، فلنا المحبة لباسًا، والتي هي رباط الكمال، لان الهنا محبة، وهو علمنا ان نحب بعضنا بعضًا كما احبنا هو، بل وان نحب ونصلي لكل من يبغضنا، يشتمنا بل ويقتلنا ايضًا، لاننا نحن ( وفقط بنعمة الهنا ) الذين اعتمدنا، المسيح قد لبسنا ( غلاطية 27:3 )، ونعلم جيدًا ان خلاصنا الان اقرب مما كان حين آمنا، وانه قد تناهى الليل وتقارب النهار، وبمعونة الرب يسوع المسيح، نخلع اعمال الظلمة ونلبس اسلحة النور، لكي نسلك بلياقة كما في النهار، لا بالبطر والسكر، لا بالمضاجع والعهر، لا بالخصام والحسد، لكن نلبس الرب يسوع المسيح (رومية 11:13). 

ندعوك يا من تعاند دعوة الانجيل للخلاص، ان تتوب عن شر خطاياك، لانه في يوم الدينونة لن ينفعك لا دين، لا رسول ولا حتى بكاء، بل كل من كان لابسًا لباس العرس، يدخل الى عرس الحمل اي السماء، (متى 12:22) لباس البِر الذي من عند الله، الذي نناله فقط بالايمان بالرب يسوع، وعمله الكفاري على الصليب، بسفك دمه، موته وقيامته من الاموات، الذي به نموت كل يوم، ونحيا معه بقوة قيامته المجيدة، الذي وهبنا الخلاص والحياة الابدية، له كل المجد، الكرامة والسلطان امين.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا