لقاء الرّب يسوع مع نيقوديموس (7) - الحيّة النحاسيّة

"وكما رفع موسى الحية في الْبرية". هذه الكلمات القليلة كانت كافية بالتأكيد لتذكير نيقوديموس بالقصة الكاملة للحية النحاسية كما جاءت في سفر العدد "وارتحلوا من جبل هور في طريق بحر سوف..."
16 يناير 2018 - 20:40 بتوقيت القدس

بعد أن وضّح الرّب يسوع المسيح لمحدثه نيقوديموس طبيعة ما يقوله ويتكلم به، وكيف أنه يتحدث عن اختبار حقيقي وشهادة صادقة لما عرفه ورآه، وكيف أنه الوحيد الذي لديه المعرفة الحقيقية عن الله، بعد هذا لجأ يسوع إلى قصة معروفة في العهد القديم ليوضح طريق الخلاص والولادة من فوق.

نعرف من دراسة العهد الجديد، وكذلك من المصادر التاريخية المختلفة، أن رجال الدين اليهود في أيام الرّب يسوع المسيح كانوا يمضون معظم وقتهم في دراسة العهد القديم وكتابات الراباي وتفاسيرهم، وتفاسير تفاسيرهم. وبالتالي فإن نيقوديموس، هذا المعلم الشيخ، والفريسي المقتدر، كان يعرف تمامًا ما جاء في سفر العدد عن الحية النحاسية، ولذلك استخدم الرّب يسوع هذه القصة الشهيرة ليبين المعنى الروحي لها، وكيف أنها في الواقع ترمز إلى عمل الرّب يسوع على الصّليب.

نقرأ في يوحنا 14:3 "وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ". هذه الكلمات القليلة كانت كافية بالتأكيد لتذكير نيقوديموس بالقصة الكاملة للحية النحاسية كما جاءت في سفر العدد 4:21-9 " وَارْتَحَلُوا مِنْ جَبَلِ هُورٍ فِي طَرِيقِ بَحْرِ سُوفٍ لِيَدُورُوا بِأَرْضِ أَدُومَ، فَضَاقَتْ نَفْسُ الشَّعْبِ فِي الطَّرِيقِ. 5وَتَكَلَّمَ الشَّعْبُ عَلَى اللهِ وَعَلَى مُوسَى قَائِلِينَ: لِمَاذَا أَصْعَدْتُمَانَا مِنْ مِصْرَ لِنَمُوتَ فِي الْبَرِّيَّةِ؟ لأَنَّهُ لاَ خُبْزَ وَلاَ مَاءَ، وَقَدْ كَرِهَتْ أَنْفُسُنَا الطَّعَامَ السَّخِيفَ. 6فَأَرْسَلَ الرّب عَلَى الشَّعْبِ الْحَيَّاتِ الْمُحْرِقَةَ، فَلَدَغَتِ الشَّعْبَ، فَمَاتَ قَوْمٌ كَثِيرُونَ مِنْ إِسْرَائِيلَ. 7فَأَتَى الشَّعْبُ إِلَى مُوسَى وَقَالُوا: قَدْ أَخْطَأْنَا إِذْ تَكَلَّمْنَا عَلَى الرّب وَعَلَيْكَ، فَصَلِّ إِلَى الرّب لِيَرْفَعَ عَنَّا الْحَيَّاتِ. فَصَلَّى مُوسَى لأَجْلِ الشَّعْبِ. 8فَقَالَ الرّب لِمُوسَى: اصْنَعْ لَكَ حَيَّةً مُحْرِقَةً وَضَعْهَا عَلَى رَايَةٍ، فَكُلُّ مَنْ لُدِغَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا يَحْيَا. 9فَصَنَعَ مُوسَى حَيَّةً مِنْ نُحَاسٍ وَوَضَعَهَا عَلَى الرَّايَةِ، فَكَانَ مَتَى لَدَغَتْ حَيَّةٌ إِنْسَانًا وَنَظَرَ إِلَى حَيَّةِ النُّحَاسِ يَحْيَا".

يمتلئ العهد القديم بقصص وأحداث تشير إلى أيام الرّب يسوع المسيح. أي أن كثيرًا من أحداث العهد القديم تحتوي على رموز وإشارات ومعانٍ ترتبط بأحداث العهد الجديد. وقد أعلن لنا الله في الوحي المقدس في عبرانيين 1:10 أنه في النّاموس يوجد "ظِلُّ الْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ لاَ نَفْسُ صُورَةِ الأَشْيَاءِ"، فأحداث العهد القديم هي أحداث نبوية، أي أننا نجد فيها دلائل واضحة وكافية لما يتم في العهد الجديد.

نقرأ في سفر الخروج كيف أخرج الله الشعب القديم ومعجزات باهرة من أرض العبودية في مصر، وكيف أنه طلب منهم بعد فترة قصيرة من دخولهم صحراء سيناء أن يدخلوا أرض الميعاد ويمتلكوها. في سفر العدد 1:13-25 أمر الله موسى أن يرسل رجالًا ليتجسسوا أرض كنعان. وفعلًا أرسل موسى اثني عشر رجلًا، أي رجلًا من كل سبط من أسباط إسرائيل. وبعد أربعين يومًا عاد الرجال إلى الشعب بتقرير يصف خيرات أرض الميعاد بشكلٍ رائع. ولكن المشكلة أن عشرة من الرجال زرعوا الرعب في قلب الشعب في حديثهم عن قوة وجبروت أهل أرض كنعان. وبالتالي لم يطع الشعب موسى وامتنعوا عن الدخول إلى الأرض، وتذمروا على الله وعلى موسى وعلى الرجلين اللذين قالا بأن الشّعب بقيادة موسى يستطيع الاستيلاء على الأرض بمعونة الرّب.

أراد الله من الشعب القديم أن يدخل ارض الميعاد وأن يتمتع ويفرح بخيراتها، ولكن الخوف قيَّدهم ومنعهم من الدخول. فبالرغم من اختباراتهم الكثيرة، ورؤيتهم بعيونهم المجردة لعجائب وأعمال الله العظيمة، إلا انهم تمردوا على الله وعصوا أوامره ولم يخضعوا لمشيئته. لقد أراد الله لهم الراحة والاستقرار في أرض الميعاد، ووعدهم بأنه سيكون معهم ويحفظهم، ولكنهم خافوا من سكان أرض كنعان، وفضلوا العودة إلى أرض العبودية في مصر بدلًا من دخول الأرض الموعودة من الله. لذلك استحقوا دينونة الله العادلة حيث نقرأ في سفر العدد 26:14-35 "وَكَلَّمَ الرّب مُوسَى وَهَارُونَ قَائِلًا: 27حَتَّى مَتَى أَغْفِرُ لِهذِهِ الْجَمَاعَةِ الشِّرِّيرَةِ الْمُتَذَمِّرَةِ عَلَيَّ؟ قَدْ سَمِعْتُ تَذَمُّرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي يَتَذَمَّرُونَهُ عَلَيَّ. 28قُلْ لَهُمْ: حَيٌّ أَنَا يَقُولُ الرّب، لأَفْعَلَنَّ بِكُمْ كَمَا تَكَلَّمْتُمْ فِي أُذُنَيَّ. 29فِي هذَا الْقَفْرِ تَسْقُطُ جُثَثُكُمْ، جَمِيعُ الْمَعْدُودِينَ مِنْكُمْ حَسَبَ عَدَدِكُمْ مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَصَاعِدًا الَّذِينَ تَذَمَّرُوا عَلَيَّ. 30لَنْ تَدْخُلُوا الأَرْضَ الَّتِي رَفَعْتُ يَدِي لأُسْكِنَنَّكُمْ فِيهَا، مَا عَدَا كَالِبَ بْنَ يَفُنَّةَ وَيَشُوعَ بْنَ نُونٍ. 31وَأَمَّا أَطْفَالُكُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ يَكُونُونَ غَنِيمَةً فَإِنِّي سَأُدْخِلُهُمْ، فَيَعْرِفُونَ الأَرْضَ الَّتِي احْتَقَرْتُمُوهَا. 32فَجُثَثُكُمْ أَنْتُمْ تَسْقُطُ فِي هذَا الْقَفْرِ، 33وَبَنُوكُمْ يَكُونُونَ رُعَاةً فِي الْقَفْرِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَيَحْمِلُونَ فُجُورَكُمْ حَتَّى تَفْنَى جُثَثُكُمْ فِي الْقَفْرِ. 34كَعَدَدِ الأَيَّامِ الَّتِي تَجَسَّسْتُمْ فِيهَا الأَرْضَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، لِلسَّنَةِ يَوْمٌ. تَحْمِلُونَ ذُنُوبَكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَتَعْرِفُونَ ابْتِعَادِي. 35أَنَا الرّب قَدْ تَكَلَّمْتُ. لأَفْعَلَنَّ هذَا بِكُلِّ هذِهِ الْجَمَاعَةِ الشِّرِّيرَةِ الْمُتَّفِقَةِ عَلَيَّ. فِي هذَا الْقَفْرِ يَفْنَوْنَ، وَفِيهِ يَمُوتُونَ".

يصف لنا الإنجيل المقدس إرادة الله بأنها صالحة ومرضية وكاملة" (أنظر رومية 2:12)، ولكن الشعب القديم رفض ما هو صالح ومرضي لدى الله، بل تذمروا وخافوا وتمرَّدوا، لذلك منعهم الله من دخول أرض الميعاد وحكم عليهم بحياة الشقاء في البرية لمدة أربعين سنة، وهذا ما حصل بالفعل. وفي العودة إلى الكتاب المقدس، نكتشف أن رحلة شعب الله القديم في صحراء سيناء كانت طويلة وشاقة، حيث ساروا في دائرة مفرغة، ذاقوا عذاب الصحراء وقسوة الحياة.

تؤدي قسوة الحياة أحيانًا إلى توبة البعض وعودتهم إلى الله بالدموع والمسوح والتوبة والخضوع. ولكن الحقيقة المؤلمة، أن حياة البرية وما فيها من آلام ومشاكل تؤدي في معظم الأحيان إلى التذمر وقسوة القلوب والتجديف على الله، بدلًا من التوبة والعودة الصادقة إلى الله، وهذا ما فعله بالضبط شعب العهد القديم. صحيح أن الله حكم عليهم بالتّيه في الصحراء مدة أربعين سنة بسبب شرورهم وخطاياهم، إلا أنه لم يتخلَّ عنهم نهائيًا، بل زوّدهم بالمن والسلوى غذاءً لهم طوال هذه الرحلة الطويلة، ومع ذلك لم يلتفتوا إلى الله، بل كما رأينا في سفر العدد 4:21-9 تكلموا بالشر ضد الله وضد موسى، ووصفوا مَنَّ السّماء بالطعام السخيف.

ما أشر الإنسان وما ابشع الخطيّة، فشعب إسرائيل الذي جدف هنا على الله، نسي انهم قبل أيام قليلة فقط قد انتصروا على ملك عراد بعد أن نذروا نذرًا للرب، وكيف أن هذا النصر كان نعمة من الله الذي حارب عنهم وأعطاهم الغلبة (راجع سفر العدد 1:21ـ3). لقد كانت خطية الشعب بشعة جدًا لعدة أسباب أهمها:
1. أنهم رفضوا الرّب إلههم الذي حررهم من عبودية مصر، وصنع لهم ومعهم أعظم العجائب في صحراء سيناء. لقد رفضوا الله الذي أعطاهم النّاموس ليعيشوا حياة مقدسة لله.
2. كذلك رفضوا رجل الله ونبيه موسى، الذي تحمل أصناف الشقاء والعذاب من أجلهم، وهو أيضًا الذي قادهم في طريق الحرية.
3. وكذلك اشتكوا من انعدام الخبز والماء، ووصفوا المَنَّ بالطعام السخيف، مع أننا نقرأ في مزمور 23:78-30 بأن الله "أَمَرَ السَّحَابَ مِنْ فَوْقُ، وَفَتَحَ مَصَارِيعَ السَّمَاوَاتِ. 24وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ مَنًّا لِلأَكْلِ، وَبُرَّ السَّمَاءِ أَعْطَاهُمْ. 25أَكَلَ الإِنْسَانُ خُبْزَ الْمَلاَئِكَةِ. أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ زَادًا لِلشِّبَعِ. 26أَهَاجَ شَرْقِيَّةً فِي السَّمَاءِ، وَسَاقَ بِقُوَّتِهِ جَنُوبِيَّةً. 27وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ لَحْمًا مِثْلَ التُّرَابِ، وَكَرَمْلِ الْبَحْرِ طُيُورًا ذَوَاتِ أَجْنِحَةٍ. 28وَأَسْقَطَهَا فِي وَسَطِ مَحَلَّتِهِمْ حَوَالَيْ مَسَاكِنِهِمْ. 29فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا جِدًّا، وَأَتَاهُمْ بِشَهْوَتِهِمْ. 30لَمْ يَزُوغُوا عَنْ شَهْوَتِهِمْ. طَعَامُهُمْ بَعْدُ فِي أَفْوَاهِهِمْ". رغم فيض بركات الله عليهم، وكيف أنه أطعمهم خبز السماء الذي هو خبز الملائكة، إلّا أنّهم اعتبروه طعامًا سخيفًا.

كذلك نتعلّم من كلام الرّب يسوع المسيح في الإنجيل المقدّس بأن المَنَّ يرمز إلى خبز الحياة، الذي هو الرّب يسوع المسيح،كما قال له المجد في يوحنا 32:6-35؛ 48-51؛ 58 "أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. 49آبَاؤُكُمْ أَكَلُوا الْمَنَّ فِي الْبَرِّيَّةِ وَمَاتُوا. 50هذَا هُوَ الْخُبْزُ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ، لِكَيْ يَأْكُلَ مِنْهُ الإِنْسَانُ وَلاَ يَمُوتَ. 51أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ". لذلك عقابًا لهذا الشر والتجديف والتذمر على الله وإنكار نعمته وفضله عليهم، أرسل الرّب عليهم حياتٍ محرقةٍ. أي أنّ من كان يلدغ من هذه الحيات يصاب بآلام حادة وأوجاع مرعبة كالنار تؤدي إلى موت قاسٍ وحتمي. فالسم يدخل الجسم مولدًا العذاب والموت، ولم يكن له أي علاج إلا الموت.

ترمز الحية في الكتاب المقدس إلى الشرير، أي الشيطان، فهي رسول موت وخوف للناس (راجع تكوين 1:3ـ5؛ 14ـ15)، وقيام الله بعقاب شعب العهد القديم بواسطة الحيات المحرقة كان أقسى أشكال العقاب الذي استخدمه الله في دينونة الشعب القديم، فقد لدغت الحيات الشعب ممّا أدى إلى موت "قَوْمٌ كَثِيرُونَ مِنْ إِسْرَائِيلَ". (عدد 6:21).

أدرك الشعب عظم الخطيّة التي ارتكبوها، واعترفوا بأنهم خطاة، وتابوا إلى الرّب، وطلبوا من موسى أن يصلي من أجلهم حتى يرفع عنهم الحيات. وفعلًا استجاب موسى لطلب الشعب وصلى إلى الله من أجل خلاصهم من الحيات.

يصف لنا الكتاب المقدس الله بقوله: "الرّب رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ. 9لاَ يُحَاكِمُ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَحْقِدُ إِلَى الدَّهْرِ. 10لَمْ يَصْنَعْ مَعَنَا حَسَبَ خَطَايَانَا، وَلَمْ يُجَازِنَا حَسَبَ آثامِنَا". (مزمور 8:103-10). لذلك عندما تاب الشعب مقرين بخطاياهم، استجاب الله لصلاة موسى الشفاعية، وأمره أن يصنع حية من نحاس، وأن يعلقها على راية، أي عمود خشبي. وأمر الله موسى أن يطلب من كل شخص يتعرض للدغ من الحيات المحرقة أن ينظر إلى الحية النحاسية لكي يشفى ويحيا. وفعلًا صنع موسى حية من نحاس ووضعها على راية لكي تكون سببًا لشفاء الناس ولحياتهم في حالة أطاعوا الرّب ونظروا إليها من أجل النجاة من الموت الحتمي.

ما أعظم أعمال الرّب، وما أعمق حكمته: فالحية رمز الشر ومصدر الموت، أصبحت رمز الخير ومصدر الحياة. وما كان مكروهًا من الناس أصبح مصدر رجائهم الوحيد. نقرأ في سفر الخروج 4:20 "لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ". أي أن الله الذي منع الإنسان من صناعة التماثيل والصور، خوفًا من جعل هذه المصنوعات موضوعًا لعبادة الناس، أمر موسى أن يصنع صورة أفعى من نحاس من أجل شفاء الشعب من لدغ الحيات السامة، وبهذا العمل أصبح رمز الداء هو الدواء.

علينا هنا أن نلاحظ أن الله لم يقض على الحيات، بل بقيت منتشرة تهاجم الشعب وتلدغهم، ولم يكن يبرأ من السم المميت إلا من يخضع ويطيع الرّب وينظر بعين الإيمان إلى الحية النحاسية، لكي ينال الشفاء. أي أن مصدر الداء والموت بقي موجودًا، ولكن العلاج ايضًا أصبح موجودًا ومتاحًا للجميع. كان على الشعب أن يطيع، لأن البديل الوحيد هو الموت، ولم تكن عدد اللدغات مهمة، بل كان كل شخص متى لدغ من الحيات، أن ينظر إلى الحية النحاسية لكي يحيا. كذلك كان على الشخص الملدوغ ألّا يتهاون ويؤجل النظر إلى الحية النحاسية، لأن التأجيل يؤدي للموت. لم تكن هناك حاجة للموت، إذ اصبحت النجاة منه اكيدة، والنجاة لم تكن بغسل الجرح ودهنه بالزيوت أو ربطه، بل كان فقط بالإيمان والنظر بثقة إلى الحية النحاسية لكي يتم الشفاء.

هذه الصورة لبشاعة الخطيّة التي ارتكبها شعب العهد القديم، وعقاب الله لهم بلدغات الحيات المحرقة، وتوبة الناس واعترافهم بخطاياهم، ثم رفع الحية النحاسية على راية لكي يراها كل من يلدغ ليحيا، وهذه الصورة استخدمها الرّب يسوع في حديثه مع نيقوديموس، وبهذا القول وجه الرّب يسوع الأنظار والانتباه إلى شخصه القدوس، لأن ما جرى مع الشعب القديم هو ما يجري مع الناس اليوم في علاقتهم مع الله:

1. اختبر الشعب القديم الشقاء والويلات في برية سيناء، ونحن نختبر اليوم الشقاء والشر في برية هذا العالم.
2. كان شقاء الشعب القديم نتيجة لعصيانهم ورفضهم لمشيئة الله، ونحن اليوم نشقى بسبب خطايانا.
3. تذمر الشعب القديم على الله وجحدوا بنعمته عليهم، والناس اليوم أكثر تذمرًا وجحودًا.
4. عاقب الله الشعب القديم بالموت بواسطة اللدغ من الحيات السامة، وعقاب الله لم يتغير اليوم، فقد "وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ الدَّيْنُونَةُ" (عبرانيين 27:9)، وكذلك "أُجْرَةَ الخطيّة هِيَ مَوْتٌ" (رومية 23:6).
5. مات كثيرون من الشعب القديم بسبب لدغ الحيات، وذلك لأنهم لم ينظروا إلى الحية النحاسية لينالوا الشفاء. والموت ما يزال اليوم يحصد الجميع بسبب الخطيّة والشرور دون أن يلتفتوا للرب يسوع.
6. لُدِغَ معظم الشعب القديم بالسُّم القاتل، واليوم لدغ كل إنسان بلدغة الخطيّة المميتة، لأن الكتاب يقول: "الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ" (رومية 23:3) لذلك "اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ" (رومية 12:5).
7. استخدم الله رمز الشر والموت لعلاج الناس، وهو الحية النحاسية، أي أن الله هزم الموت بالموت. وهكذا في العهد الجديد، استخدم الله الصّليب، رمز العار والموت، حتى يحررنا من موت الخطيّة. وبذلك أصبح الصّليب رمز المحبّة والخلاص والانتصار والحياة.
8. رفع موسى الحية النحاسية على راية لكي يراها الناس فيشفوا، مع أن الحية رمز الشرير، كذلك رفع الرّب يسوع على خشبة الصّليب، وهناك أصبح الرّب يسوع خطية من أجلنا كما نقرأ في كورنثوس الثّانية 21:5 "لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا". كذلك صار الرّب يسوع على الصّليب لعنة لأجلنا كما نقرأ في غلاطية 13:3 "اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النّاموس، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ.
9. كان على كل شخص من الشعب القديم أن ينظر بعين الإيمان إلى الحية النحاسية لكي ينال الشفاء والحياة. واليوم لا شفاء ولا خلاص بدون الإيمان بما عمله الرّب يسوع من أجلنا على الصّليب.
10. حصل الشعب على الشقاء مجانًا، فبمجرد النظر إلى الحية النحاسية كان يتم الشفاء. ونحن اليوم نحصل على خلاصنا مجانًا بمجرد توبتنا ووضع ثقتنا بالرّب يسوع من أجل شفائنا.
11. لم يعمل الشعب القديم شيئًا سوى الطاعة ليشفوا من لدغ الحيات، ونحن أيضًا لا نستطيع القيام بأي عملٍ صالح من أجل خلاصنا، لأن الخلاص هو بالنعمة وليس بالأعمال.
12. كان على كل شخص يتعرض للّدغِ من حية سامة أن ينظر رأسًا إلى الحية النحاسية لكي ينال الشفاء، لأن التأجيل كان يجلب الموت. ونحن اليوم علينا ألّا نؤجل، بل أن نقرر الآن التوبة والالتفات إلى الرّب يسوع طالبين الخلاص، كما هو مكتوب: "لأَنَّهُ يَقُولُ:«فِي وَقْتٍ مَقْبُول سَمِعْتُكَ، وَفِي يَوْمِ خَلاَصٍ أَعَنْتُكَ». هُوَذَا الآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا الآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ" (2كورنثوس 2:6). فهل نسمع صوت الرّب؟ هل نطلب عونه؟ هل نتوب وننال الخلاص الأبدي؟

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا