إشارات إنجيل يوحنّا ج13 المسيح عَلّام الغيوب

يكشف السيد المسيح عن خطة يهوذا في خيانة سيّده. يعرفها السيد منذ البداية، لكنه ستر عليه حتى تلك اللحظات عندما بدأ في خطوات عملية جادة، والآن يكشفها لتلاميذه...
11 مارس 2018 - 23:44 بتوقيت القدس

ورد في عنوان المقالة "عَلاّم" صيغة مبالغة للعالِم، وعَلاّم الغيوب هو الله. لكنّ المعلوم في الإنجيل أنّ الله ظهر في الجسد بشخص يسوع المسيح له المجد (يوحنّا 1: 14 وتيموثاوس الأولى 16:3) هذا هو إيمان المسيحي-ة، لا يتعارض مع وحدانية الله إطلاقا! وقد بلغت آيات التوحيد في الكتاب المقدَّس بعهديه- الجديد والقديم- 1958 آية وفق أحد الإخوة الباحثين. إليك إحداها من الإنجيل، من لسان السيد المسيح: {فأجابه يسوع: «إنّ أوّل كُلّ الوصايا هي: اسمع يا إسرائيل. الرَّبُّ إلهنا ربٌّ واحد}+ مرقس 12: 29 مؤكِّدًا على الآية التوراتية: {اسمع يا إسرائيل.الرَّبُّ إلهنا ربٌّ واحد}+ التثنية 6: 4
عِلمًا أنّ الغَيْبَ في المعجم الوسيط: [خِلافُ الشّهادة، كلُّ ما غاب عن الإِنسان؛ سواء أَكان مُحَصَّلًا في القلوب أَم غير مُحَصَّل. وجمع غَيْب: غُيُوب...] انتهى.

أمّا بعد فنقرأ في الأصحاح الثالث عشر من إنجيل يوحنّا 1يسوع عَالِمٌ أنّ ساعته جاءتْ، قبل حلول عيد الفصح، وعيد الفصح هذا هو الأخير في حياة يسوع على الأرض، أي أنّ يسوع علم أنّ موعد تسليمه للمحاكمة فالصَّلب فالموت قد حان. 4يسوع يغسل أقدام تلاميذه. 10-11يسوع عارِف بالتِّلميذ- الخائن- الذي سيُسلِّمه. 23يسوع يكشف للتِّلميذ الذي أحبّه- يوحنّا الإنجيلي- عن خيانة يهوذا الإسخريوطيّ. 34يسوع يُعطي التلاميذ وَصِيَّةً جَدِيدة: المحبَّة. ونقرأ أخيرًا 36-38يسوع يُخبر تلميذه بطرس أنّه سيُنكره ثلاث مرّات قبل صياح الدِّيك.

وقد كتب الخوري يوسف داود- مترجم الكتاب المقدَّس إلى العربيّة ما قبل سنة 1875- في هامش هذا الأصحاح [أنّ عيد الفصح (المذكور في بداية الأصحاح) هو الرابع والأخير الذي قضاه يسوع بعد اعتماذه (مِن يوحنّا المعمدان) وكان ذلك في السنة الثالثة والثلاثين من عمره (على الأرض) وفي سنة 4036 مِن خلقة العالم على الرأي الأغلب] انتهى.

وفي هذا الأصحاح إشارتان إلى العهد القديم:-

الإشارة الأولى 

في قول المسيح، عن الترجمة المشتركة: {18لا أقولُ هذا فيكُم كُلِّكُمْ، فأنا أعرِفُ الّذينَ اَختَرتُهُم. ولكِن ما جاءَ في الكُتُب المُقَدَّسةِ لا بُدَّ لَه أنْ يَتِمَّ، وهُوَ أنَّ الذي أكَلَ خُبزي تَمَرَّدَ علَيَّ}+ إشارة إلى {حتّى صديقي الذي وَثِقْتُ بهِ وأكلَ خبزي اَنقَلَبَ علَيَّ}+ المزمور 41: 9

وفي التفسير المسيحي: [يكشف السيد المسيح عن خطة يهوذا في خيانة سيّده. يعرفها السيد منذ البداية، لكنه ستر عليه حتى تلك اللحظات عندما بدأ في خطوات عملية جادة، والآن يكشفها لتلاميذه الذين لم يتخيّلوا إمكانية حدوثها بينهم. ويلاحَظ هنا، في حديث المسيح، أنه لم يعمّم الخطأ؛ بل امتدح الآخرين كأوانٍ طاهرة مخلصة. وفي الوقت نفسه؛ لم يورد المسيح تفاصيل الجريمة ولا أفصح عن اسم مرتكبها، إنّما أكّد أن ما سيحدث قد أعلنه الكتاب المقدس (المزمور 41: 9)

لم يتحدث السيد المسيح عن دافع يهوذا لهذا العمل، لكنْ علّق يوحنّا الإنجيلي على انتقاد الإسخريوطي سكب مريم- أخت لعازر- الطِّيب الغالي الثمن على قدَمَي المسيح: {قال هذا لا لعطفه على الفقراء، بل لأنه كان لصّا وكان أمين الصندوق، فيختلس ما يودع فيه}+ يوحنّا 12: 6 أمّا في أمر خيانة السيد فقد كشف الإنجيليون عن الحقائق، وما اتُّفِق عليه مِن ثمن للخيانة، وكيف ردّ الإسخريوطي المبلغ بعد تسليمه في يأس، دون تعليق عن أعماق دوافعه. إنما قام الدارسون فيما بعد بكتابة تحليلاتهم بخصوص هذا التصرف، ولم يحاول أي إنجيلي تقديم عرض كامل لدوافع هذا الخائن.

تحدّث الإنجيلي عن فعل الخيانة مباشرة بعد غسل السيد المسيح أقدام التلاميذ، ليكشف عن شوق الكلمة الإلهي المتجسّد للقيام بعمل تواضعيّ حقيقيّ وبَذْل من أجل الجميع. هذا وإذْ وجد مِن بينهم مَن خطّط ضدّه لفعل شرّ عظيم؛ فأنّ السيد عمل لمصلحة الجميع. أمّا العمل المضادّ فمارسه الإسخريوطي بطريقته الخاصة لحساب نفسه، معتدًّا بفكره وتدبيره، وما درى أنه دمّر نفسه.

يقودنا مسيحنا- الطريق الحقيقي- لندخل فيه ونعمل بروح الخضوع والتواضع، في حبّ صادق، ولو مع وجود الإثنين؛ أي وجود الذي يقيّم عملنا والذي يطلب تدميرنا.

أخيرا؛ أكّد السيد أنّه عَلِمَ الذين اختارهم، ولم يجهل شخصية يهوذا حين اختاره، لكن الأمور كلّها تسير بسماحٍ منه، فما كان شرّ يهوذا سيد الموقف، إنّما حب المسيح هو السيد، والذي حوّل مِن الشّرّ جزءً لتتميم خطته الإلهية لخلاص البشر. هذا يهبنا طمأنينة كاملة؛ أنْ يوجد محبّ البشر، ضابط الكلّ، يحوّل الأحداث كلّها لحسابنا، حتى مقاومة الأشرار ضدّنا]- بقلم القمّص تادرس يعقوب ملطي.

وقد استشهد القمّص تادرس بأقوال عدد من القدِّيسين، كما جرت العادة، منها قول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم: [لم يقل السيد المسيح "مَن يأكل الخبز معي يسلّمني" لكنه قال {الذي يأكل معي الخبز رفع عليَّ عَقِبه} مبيِّنًا طبيعة اغتياله الغاشّة المستورة] انتهى.

ومعنى "رفع عليّ عقبه" سواء في كلام القدِّيس وفي ترجمة ڤان دايك: تمرّد عليّ، أو انقلب. والمزيد في مسألة الإسخريوطي في مقالة- جذور صلب المسيح، المشهد الثّالث
https://www.linga.org/varities-articles/NzUxOQ

الإشارة الثانية

في قول السيد المسيح؛ المذكور في متّى 22: 39 والمؤكّد عليه في يوحنّا 15: 12 أيضا: {34أُعطيكُم وَصيَّةً جَديدة: أحِبُّوا بَعضُكُم بَعضا. ومِثلَما أنا أحبَبْتُكُم أحِبُّوا أنتُم بَعضُكُم بَعضا}+ إشارة إلى:- {لا تَنتَقِمْ ولا تَحقُد على أبناءِ شعبك، بل أحِبّ قريبَكَ مِثلما تُحِبُّ نفسَك. أنا الرّبّ}+ لاويّين 19: 18

وفي التفسير المسيحي: [كانت وصيّة المسيح الأخيرة للتلاميذ، قبلما تَرَكَهُمْ، جديدة: أن يحبّ بعضُهم بعضا. والجديد في الوصية أنْ قد صار للمحبة قياس جديد، هو محبة المسيح لنا. طلب الناموس (أي الشريعة) أن نحبّ القريب كنفوسنا، لكنه لم يقدر أن يزرع المحبة في قلوب ممتلئة بمحبة الذات. فإذْ نولد من الله تصبح لنا طبيعة جديدة، هي طبيعة الله الأدبية التي هي محبة. كان لهذا المقياس الجديد في المحبة تأثير على يوحنّا، إذْ ذكر بالروح القدس في رسالته الأولى: {بهذا قد عرفنا المحبة: أنّ ذاك وَضَعَ نفسَهُ لأجلنا، فنحن ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الأخوة}+ 1يوحنّا 3: 16 وقد أظهر الرب يسوع المحبة في صورة رائعة جديدة؛ محبة لا تتعب أبدا، ولا تستكثر أي تضحية مهما عظمت، حتى لو كانت موت الصليب، محبّة لها نقاوتها ودوافعها، محبة رُسِمت بمثال جديد]- بقلم هلال أمين.

وتعليقي: أنّ معنى "الولادة من الله" المذكورة في تفسير الأخ هلال أمين، مستمدّ من آية يوحنّا التالية ومن أمثالها في الإنجيل: {وأمّا كلّ الذين قبلوه (أي قبلوا المسيح) فأعطاهم (المسيح) سُلطانًا أنْ يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باٌسمِه}+ يوحنّا 1: 12 

وفي تفسير آخر: [كان عليهم، خلال غيابه، أن يسيروا بمقتضى وصيّة المحبّة. وهذه الوصية لم تكنْ جديدة من جهة توقيتها، ذلك لأن الوصايا العشر قد علّمت ضرورة محبة الله ومحبة القريب؛ إلّا أن هذه الوصية جاءت جديدة مِن نواحٍ أخرى؛ جديدة بما أن الروح القدس سيقوّي المؤمنين لتمكينهم من إطاعتها، وبما أنها أسمى شأنًا من القديمة. فالوصية القديمة قالت {تحبّ قريبك} فيما صرّحت الجديدة بضرورة ”محبّة أعدائك“ وقد صَدَقَ مَن قال إنّ ناموس محبة الآخرين قد فُسِّر الآن بوضوح أكثر، وعُزِّز بدوافع والتزامات جديدة، واتّضح على أساس مثال جديد، وأُطيع بطريقة جديدة. وأيضا؛ لقد كانت الوصيَّة جديدة، كما بيّن هذا العدد (أي هذه الآية) بما أنها حثّتنا على تبنّي درجة أسمى من المحبة وأرفع: {كما أحببتُكم أنا تحبّون أنتم أيضًا بعضكم بعضًا]- بقلم وليم ماكدونالد.

وتعليقي أوّلا: أذكّر القارئ-ة بقول السيد المسيح في موعظة الجبل الخالدة: {إنْ أحببتم الذين يحبّونكم فأيّ أجْرٍ لكم؟ أليس العَشّارون أيضًا يفعلون ذلك؟}+ متّى 5: 46
أو بتعبير آخر: {إنْ أحببتم الذين يحبّونكم فأيّ فضل لكم؟ فإنّ الخطاة أيضًا يحبّون الذين يحبّونهم}+ لوقا 6: 32 فلا تعليم من خارج الكتاب المقدَّس وصل إلى مستوى هذا التعليم الشّريف السّامي. 

وبالمناسبة؛ لقد استشهد السيد ضياء الموسوي، من البحرين، بالآية {أحِبّوا أعداءَكم، بارِكوا لاعِنيكُمْ...}+ متّى 5: 44 في مقابلة أجريت معه، بثّها تلفزيون "أبو ظبي" في الـ29 مِن ديسمبر 2006 وترجمها "ميمري تي ڤي" إلى الإنگليزية. وإليك مقطع الڤيديو، حوالي 6 دقائق، تحت عنوان- فيديو رائع لأحد شيوخ البحرين في لقاء
youtube.com/watch?v=aPm0FuQkz2k

كما استشهد بهذا التعليم- متّى 5: 44 و46- السيد أحمد القبانجي، من العراق، في إحدى محاضراته، قبل نهايتها بتسع دقائق، منشورة على مقطع يوتيوب تحت العنوان التالي-
رائعة رائعة احمد القبانجي كيف تعرف الدين الحق ـ أحمد القبانجي
youtube.com/watch?v=zKxnJKNGXXs

وتعليقي ثانيا: لاحظ-ي اتّفاق التَّفسيرَين على معنى النّصّ المقدَّس، أيًّا كانت جنسيّة المفسِّر ولغته، فالأخ هلال أمين من الشرق، بينما الأخ وليم ماكدونالد من الغرب.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. تادرس يعقوب 12 مارس 2018 - 01:36 بتوقيت القدس
الضالين الضالين
اسمع يا إسرائيل. الرَّبُّ إلهنا ربٌّ واحد اذا كان هذا قول المسيح فكيف جعلتموه ثلاثه هذا كلام واضح وصريح (لايحتاج الى تفسير فهو يفسر نفسه بنفسه)فحق عليكم وصف (الضالين)
1.1. الكاتب 12 مارس 2018 - 15:28 بتوقيت القدس
إذنْ اترك "الضالين" واتبع المسيح
كم شخصًا لذاتك وعقلك وروحك؟ لا يتحمل الكتاب المقدَّس مسؤولية الغباء في أي كتاب صحراوي أو صحيفة صفراء. شكرًا لك على تشرّفك بالكتابة بإسم مسيحي.