الخادم الناجح في الكنيسة (2) ما هو النجاح المسيحي

إذا أخذنا معنى النجاح كمصطلح إداري وتدبيري؛ يُعَّرف النجاح أنه القُدرة على الإنجاز وبلوغ الأهداف المرجُوّة بكفاءة وفاعليّة. ولكن، ماذا يعني أن يكون الخادم ناجحا؟
08 مارس 2018 - 00:15 بتوقيت القدس

بنعمة ربنا وإلهنا يسوع المسيح سنستكمل معًا سير واقع رسالة يوحنا الثالثة في هذه النافذة المباركة، شاكرًا لكل تعليق يسهم في إثراء المقال وموضوعه في فكر التدبير والادارة المسيحية. لقد تناولنا في الجزء الأول من موضوع هذه المقالة سابقا الذي يبين تفاصيل خدمة الضيافة (الخدمات المساندة أو اللوجستية في الكنيسة). وتناولنا سبب أهمية هذه الخدمة في ذلك التوقيت والمكان وتحدِّياتها وظروف الخدمة في ذلك الوقت وإمكاناتها. وحللنا شخصية كاتب الرسالة، يوحنا الحبيب، لنفهم الوحي الإلهي من كتابة الرسالة في ذلك الوقت بتلك الطريقة وبتلك الحيثية. وكيف أهَّل الرب يوحنا الحبيب منذ البدايات عبر سنين، ليقوم بتسطير هذه الرسالة.

وننتقل الآن لمصطلح جوهري ذات أهمية في حياة التدبير المسيحي، ألا وهو النجاح. لنطرح في هذه المقالة والمقالة القادمة بمشيئة الرب، السؤال التالي: 

ماذا يعني أن يكون الخادم ناجحا؟

الآية ذات العلاقة تقول: (3 يوحنا 2) "أَيُّهَا الْحَبِيبُ، فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحًا وَصَحِيحًا، كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ"

إذا أخذنا معنى النجاح كمصطلح إداري وتدبيري؛ يُعَّرف النجاح أنه القُدرة على الإنجاز وبلوغ الأهداف المرجُوّة بكفاءة وفاعليّة.
لذلك فالنجاح المسيحي الذي ينشده الخادم، هو القدرة على تحقيق أهداف مسيحية من خلال أساليب كفؤة وفعالة، استنادًا لمنظومة الحق التي سنطرحها في مقالات لاحقة، لكن سنذكرها هنا في عُجالة؛ هي اتباع المسيح وإرشاد الروح القدس والكلمة المكتوبة. والذي أيضًا يؤكده يوحنا من خلال الآية التي تلي آية 2، وهي: "3 لأَنِّي فَرِحْتُ جِدًّا إِذْ حَضَرَ إِخْوَةٌ وَشَهِدُوا بِالْحَقِّ الَّذِي فِيكَ، كَمَا أَنَّكَ تَسْلُكُ بِالْحَقِّ"
ومن هنا، نرى أن النجاح يحمل دومًا ذات التعريف؛ إلا أنه عندما يُوصف بالمسيحي، يوضع ضمن أطر محددة المعالم، تؤدي إلى إثراء هوية ذلك النجاح، وتحويله لنجاح بحسب قلب الله.

لقد اختلف العديد من المفسرين للكتاب المقدس، عند تفسير الآيات المتعلقة بالنجاح. فمنهم من افترض أن النجاح هو نجاح روحي، وأن كل نوع آخر من النجاح، هو شيء من الفضول وتحصيل حاصل. وذهب آخرون لليمين تطرفا ليستدلوا بهذه الآيات أن المؤمن الناجح هو الذي يحيا حياة رخاء؛ فأي المدرستين هي الصحيحة؟

في الواقع، كلتا المدرستين تواجهان تحديات كبيرة في تحديد تعريف ما هو النجاح؛ الأولى تروحنه وتسلخه عن الواقع الأرضي الحياتي؛ والثانية تعتمد به على تعريف أهل العالم للنجاح، المسلوخ عن الأمور الروحية المسيحية الكتابية!

هذا الخطأ جعل المفسرون ينظرون لمؤشرات وطرق النجاح كما ينظر إليه العالم، بين زاهد فيه لأجل الراحة أو طالب له لأجل المجد. بينما النجاح المسيحي لا يتعلق البتة في المجد الانساني أو الراحة البشرية، بل يتعلق بربط كل حياتك، كأهداف ووسائل، بمشيئة الرب سواء المادية او الروحية. وجعلها كلها في بوتقة واحدة، غير منفصلة أحداها عن الأخرى؛ وذلك لا يمكن أن يتم، إلا من خلال منظومة الحق الكتابي.

فمثلا النجاح المسيحي الذي يحققه رجل الأعمال المسيحي، هو ليس فقط أن تكون شركاته شركات ذات قيم وسلوكيات محترمة بذاتها وبموظفيها. لكن أن يكون ذلك النجاح، ذات أثر في ملكوت الله، مثلا بدعم الخدمة وتوفير العمل اللائق للإخوة. أيضًا ذات الشيء للموظف، للطالب، وللخادم الكنسي وغيره.

وعندما يكون هذا النجاح منبعه الحق، كما كان نحميا واثقًا بالله بإنجاحه: " إن إله السماء يعطينا النجاح ..." (نحميا 2: 20)؛ يكون نجاحًا خاليًا من الخطايا. لأن عدم التوبة، والاحتفاظ بالخطية يفقد الانسان النجاح: "من يكتم خطاياه لا ينجح، والذي يقر بها ويتركها يُرحم."(أمثال 28: 13).

دعونا نستعرض معًا، بعض قصص النجاح، التي وردت في الكتاب المقدس؛ والتي تبرهن لنا كيف أن النجاح يصاحب الشخص المؤمن التابع للحق.

1- عندما صمم يوسف على تبعية الحق، أمسك من اللحظة الأولى بطرف الخيط. إذ عرف اللّه وسار معه، فكان النجاح من نصيبه: «وكان الرب مع يوسف فكان رجلاً ناجحاً» (تكوين 39: 2)
سار يوسف مع الله وهو الولد المفضل لدى أبيه؛ سار مع الله بعد أن جُرح وغُدر من أخوته؛ سار مع الله وهو مُستعبد؛ سار مع الله وهو مسجون ظُلمًا؛ وأيضًا سار مع الله بعدما نجح وأصبح الرجل الثاني في مصر.

2- عندما وقف موسى على الخطوات الأولى من درب النجاح أدرك أنه لا يمكن أن يكون هذا النجاح بعيداً عن معرفة اللّه والتمسك به، حتى أنه يقول الكتاب عنه: «لما كبر أبى أن يُدعى ابن ابنة فرعون، مفضلا بالأحرى أن يذل مع شعب اللّه عن أن يكون له تمتع وقتي بالخطية. حاسباً عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر، لأنه كان ينظر إلى المجازاة !!» (عبرانيين 11: 24-26).

3- عرف داود النجاح وهو يغني بمزماره فوق الربى والجبال وهو يهتف للّه: «أحبك يارب ياقوتي». (مزمور 18: 1)؛ عرف الله عندما قتل جليات، وعندما أصبح مطارد هاربًا من وجه شاول، وأيضًا عرف الله عندما أصبح ملك على كل إسرائيل.

4- عرف دانيال وهو في السبي النجاح والتفوق، لأنه كان يمد بصره في كل صباح وظهر ومساء، من خلال الكوة المفتوحة إلى مدينته المقدسة. وإلهه العظيم أعطاه أضعافاً مضاعفة من النجاح، لأمانته بالتمسك به.

5- أدرك تيموثاوس النجاح بالتمسك بتعليم أمه وجدته في مواجهة الحياة ووثنية أبيه وقسوة الأجواء والظروف المحيطة به.

ولا ننسى يعقوب وإبراهيم وبولس وبطرس وغيرهم. فمن خلال هذه النماذج، نفهم أن النجاح المسيحي ليس محطة نهائية بل هو عملية مستمرة تنجز من خلال تبعية منظومة الحق. فالحق عند الناجحين مسيحيا، هو ليس مجرد معرفة نظرية أو فهم عقلي للنصوص الكتابية؛ بل خيارا يدفع المؤمنون ثمنه، ليالي وأيام وسنين من عمرهم؛ يعانون نتيجة مواقفهم وقد يحسون ببرودة يد الظلم ووطأة الاضطهاد ورفض المجتمعات، مهما كانت هويتها الظاهرة؛ فتكون فترة دفع ثمن المواقف، هي فترة إعداد لما هو أعظم.

هذه هي القيمة الأولى الأساسية في حياة الخادم، هل ترتبط كل اهداف حياته الأسرية والاجتماعية والمالية بأهداف روحية. أم أن أهداف حياته منفصلة عن إيمانه وحياته الروحية؟

ولكن لماذا على الكنيسة أن تهتم فقط بنجاح مسيحي وليس بالنجاحات الأخرى؟ 
لأن النجاح المسيحي هو فقط النجاح الحقيقي الدائم؛ فقد "ينجح" الأشرار بطرق شريرة كالغش والخداع والكذب أو السرقة ..الخ. لكن هذا النجاح زائف الى حين الهلاك، كما أن ذلك النجاح الذي لا يرتبط بأخلاقيات يقدرها ويحترمها المجتمع هو نجاح ذات شهادته باردة ضعيفة، مختلة، وعلى استحياء. إنه نجاح يستحي صاحبه من مصادره وتفاصيله. أما النجاح المسيحي، فهو نجاح يفتخر به المؤمن أمام المجتمع والحكومة، لأنه يحمل الشهادة للحق؛ لذا فهو نجاح حقيقي ودائم. لهذا نرى لماذا ينصحنا الكتاب المقدس بعدم تقليد الأشرار في الحصول على نجاح زائف، مؤقت، وسريع: "لا تغر من الأشرار ولا تحسد الأثمة. لأنه لا يكون ثواب للأشرار سراج الأثمة ينطفئ." (أمثال 24: 19-20).

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
مقالات تابعة للسلسلة نفسها:
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. مازن صالح 14 مارس 2018 - 21:19 بتوقيت القدس
خطة الله لنا خطة الله لنا
ان الله خالقنا يعرف طبيعتنا لأنه خلقنا في ظروف انتجت من خلقه لنا إتمام لمشيئته وبالتالي ان طاعه الله بالحق توضح مسارنا والمسار الذي اختاره لنا بخطته وحكمته لحياتنا .....ابدعت يا صديقي الرائع