صعوبة الإختيار بين النقاوة والجمال

نحن في بلادنا العزيزة نمر بمرحلة انتقالية صعبة وحرجة، مرحلة انتشر فيها الفساد على جميع المستويات، وعلينا أن نصلي إلى الله لكي يفتقد بلادنا ويعطينا نهضة روحية مباركة ومجيدة
06 سبتمبر 2017 - 23:43 بتوقيت القدس

صموئيل الأول 1:16-13 "فَقَالَ الرّب لِصَمُوئِيلَ: حَتَّى مَتَى تَنُوحُ عَلَى شَاوُلَ، وَأَنَا قَدْ رَفَضْتُهُ عَنْ أَنْ يَمْلِكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ؟ اِمْلأْ قَرْنَكَ دُهْنًا وَتَعَالَ أُرْسِلْكَ إِلَى يَسَّى الْبَيْتَلَحْمِيِّ، لأَنِّي قَدْ رَأَيْتُ لِي فِي بَنِيهِ مَلِكًا. 2فَقَالَ صَمُوئِيلُ:  كَيْفَ أَذْهَبُ؟ إِنْ سَمِعَ شَاوُلُ يَقْتُلْنِي. فَقَالَ الرّب: خُذْ بِيَدِكَ عِجْلَةً مِنَ الْبَقَرِ وَقُلْ: قَدْ جِئْتُ لأَذْبَحَ لِلرَّبِّ. 3وَادْعُ يَسَّى إِلَى الذَّبِيحَةِ، وَأَنَا أُعَلِّمُكَ مَاذَا تَصْنَعُ. وَامْسَحْ لِيَ الَّذِي أَقُولُ لَكَ عَنْهُ. 4فَفَعَلَ صَمُوئِيلُ كَمَا تَكَلَّمَ الرّب وَجَاءَ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ. فَارْتَعَدَ شُيُوخُ الْمَدِينَةِ عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ وَقَالُوا: أَسَلاَمٌ مَجِيئُكَ؟ 5فَقَالَ: سَلاَمٌ. قَدْ جِئْتُ لأَذْبَحَ لِلرَّبِّ. تَقَدَّسُوا وَتَعَالَوْا مَعِي إِلَى الذَّبِيحَةِ. وَقَدَّسَ يَسَّى وَبَنِيهِ وَدَعَاهُمْ إِلَى الذَّبِيحَةِ. 6وَكَانَ لَمَّا جَاءُوا أَنَّهُ رَأَى أَلِيآبَ، فَقَالَ: إِنَّ أَمَامَ الرّب مَسِيحَهُ. 7فَقَالَ الرّب لِصَمُوئِيلَ: لاَ تَنْظُرْ إِلَى مَنْظَرِهِ وَطُولِ قَامَتِهِ لأَنِّي قَدْ رَفَضْتُهُ. لأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَنْظُرُ الإِنْسَانُ. لأَنَّ الإِنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا الرّب فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْقَلْبِ.

فَدَعَا يَسَّى أَبِينَادَابَ وَعَبَّرَهُ أَمَامَ صَمُوئِيلَ، فَقَالَ: وَهذَا أَيْضًا لَمْ يَخْتَرْهُ الرّب. 9وَعَبَّرَ يَسَّى شَمَّةَ، فَقَالَ: وَهذَا أَيْضًا لَمْ يَخْتَرْهُ الرّب. 10وَعَبَّرَ يَسَّى بَنِيهِ السَّبْعَةَ أَمَامَ صَمُوئِيلَ، فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِيَسَّى: الرّب لَمْ يَخْتَرْ هؤُلاَءِ. 11وَقَالَ صَمُوئِيلُ لِيَسَّى: هَلْ كَمُلُوا الْغِلْمَانُ؟ فَقَالَ: بَقِيَ بَعْدُ الصَّغِيرُ وَهُوَذَا يَرْعَى الْغَنَمَ. فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِيَسَّى: أَرْسِلْ وَأْتِ بِهِ، لأَنَّنَا لاَ نَجْلِسُ حَتَّى يَأْتِيَ إِلَى ههُنَا. 12فَأَرْسَلَ وَأَتَى بِهِ. وَكَانَ أَشْقَرَ مَعَ حَلاَوَةِ الْعَيْنَيْنِ وَحَسَنَ الْمَنْظَرِ. فَقَالَ الرّب: قُمِ امْسَحْهُ، لأَنَّ هذَا هُوَ. 13فَأَخَذَ صَمُوئِيلُ قَرْنَ الدُّهْنِ وَمَسَحَهُ فِي وَسَطِ إِخْوَتِهِ. وَحَلَّ رُوحُ الرّب عَلَى دَاوُدَ مِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ فَصَاعِدًا. ثُمَّ قَامَ صَمُوئِيلُ وَذَهَبَ إِلَى الرَّامَةِ".

رجل يفكر

قام نبي الله صموئيل بمسح داود ملكًا في مرحلة انتقالية صعبة ودقيقة اجتازها شعب الله القديم. وأهم ما ميَّز هذه المرحلة هو أن الشعب في أيام نبي الله صموئيل طلب أن يكون لهم ملكًا مثل باقي الشعوب المحيطين بهم. وقد رفض نبي الله صموئيل طلب الشعب في بداية الأمر، فقال الرّب لصموئيل: "اسْمَعْ لِصَوْتِ الشَّعْبِ فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَ لَكَ. لأَنَّهُمْ لَمْ يَرْفُضُوكَ أَنْتَ بَلْ إِيَّايَ رَفَضُوا حَتَّى لاَ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ". (صموئيل الأولى 7:8)، وهكذا سمح الله لشعب إسرائيل القديم أن يختاروا ملكًا أرضيًا يسود عليهم، بدلًا من أن يكون الله نفسه ملكًا وربًا ومخلصًا لهم. وكان شاول بن قيس من سبط بنيامين أول ملك على إسرائيل.

أطاع شاول الرّب في بداية ملكه، ولكن ذلك لم يدم طويلًا، حيث أنه أخذ يتعدى على قول الرّب، خصوصًا بعد حربه مع عماليق. وحزن نبي الله صموئيل بسبب أفعال شاول، فقال الرّب لصموئيل أن لا ينوح على شاول، ثم أمره قائلًا: "اِمْلَأْ قَرْنَكَ دُهْنًا وَتَعَالَ أُرْسِلْكَ إِلَى يَسَّى الْبَيْتَلَحْمِيِّ، لأَنِّي قَدْ رَأَيْتُ لِي فِي بَنِيهِ مَلِكًا". (صموئيل الأولى 1:16) وكان الله قد سبق وأخبر صموئيل أن مملكة شاول لا تقوم "وَأَمَّا الآنَ فَمَمْلَكَتُكَ لاَ تَقُومُ. قَدِ انْتَخَبَ الرّب لِنَفْسِهِ رَجُلًا حَسَبَ قَلْبِهِ، وَأَمَرَهُ الرّب أَنْ يَتَرَأَّسَ عَلَى شَعْبِهِ". (صموتيل الأول 14:13). 

وهكذا، في الوقت الذي كان فيه شاول ملكًا، أعلن الله رفضه له واختياره لملك جديد هو داود بن يسىَّ. وفعلًا مسح النبي صموئيل داود ملكًا بدلًا من شاول، مما أدى إلى نشوء عداوة مريرة في قلب شاول تجاه داود.

كانت هذه المرحلة التاريخية حرجة وصعبة بالنسبة لشعب الله القديم. مرحلة رفض فيها الناس حكم الله وطالبوا بمملكة بشرية أرضية. وكان شاول أول ملك لهم، وسار شاول في طريق المعصية والخطية والفساد، غير مبالٍ لحق الله؛ أي أن زمن مسح داود ملكًا كان مرحلة انتقالية صعبة شهدت أشكالًا من التدين والفساد والطاعة والعصيان في الوقت نفسه. وتدخل الله في اللحظة المناسبة جدًا واختار رجلًا حسب قلبه لكي يملك على شعبه.

ونحن في بلادنا العزيزة نمر بمرحلة انتقالية صعبة وحرجة، مرحلة انتشر فيها الفساد على جميع المستويات، وعلينا أن نصلي إلى الله لكي يفتقد بلادنا ويعطينا نهضة روحية مباركة ومجيدة، نهضة مبنية على كلمة الله الحية، نهضة من السماء بواسطة الروح القدس، نهضة تمجد الله وترفع اسم ربنا يسوع المسيح عاليًا، نهضة تعمل في قلوب الناس لكي يتوبوا عن خطاياهم ويرجعوا إلى الله ويسلكوا بالحق والاستقامة والعدالة والطهارة، نهضة نرى ثمارها في جميع مجالات الحياة حولنا. 

إنني أومن من كل قلبي، أن الله الذي افتقد شعبه قديمًا في أيام نبيّه الملك داود، يستطيع أن يعمل وسطنا هذه الأيام ويفتقدنا بمحبته الفائقة الإدراك. ونحن نعلم تمامًا أن الله يعرف متى وأين ولماذا وكيف يعمل ما يعمله. أجل ما يزال الله وسيبقى إلى الأبد على العرش، كما قال داود: "مُلْكُكَ مُلْكُ كُلِّ الدُّهُورِ وَسُلْطَانُكَ فِي كُلِّ دَوْرٍ فَدَوْرٍ". (مزمور 13:145)، كذلك كما قال يعقوب بالوحي في أعمال الرسل 18:15 "مَعْلُومَةٌ عِنْدَ الرّب مُنْذُ الأَزَلِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ".

تحتاج الكنيسة المسيحية أن تطلب الله من كل القلب، وأن تسبح اسمه القدوس، وأن تفي بوعودها لله، وأن تطلب منه العون وتمجده في هذا العالم. هذا ما يتوقعه الله من شعبه وكنيسته، فهو لا يحتاج إلى خبراتنا أو ذكائنا وشهاداتنا العلمية وحكمتنا البشرية لكي يتمم مشيئته على الأرض. كذلك لا يحتاج الله إلى أموالنا ليشبع المحتاجين؛ لأنه هو "الَّذِي يُعْطِي خُبْزًا لِكُلِّ بَشَرٍ لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ" (مزمور 25:136).

دعونا لا ننسى أبدًا أن الله هو الإله الأبدي الذي لا يتعب ولا ينعس ولا ينام ولا يموت ولا يقاس بأي مقياس، فليس لعظمته حدود. ومن نحن البشر الضعفاء، الذين نتعب وننعس وننام ونموت؟ من نحن لنقول لله كيف يعمل وسطنا وفي حياتنا في هذا العالم. إن الله يملك كل شيء، ويحفظ كل شيء، وهو مصدر كل شيء، ومعطي كل شيء، وهو بالتالي لا يحتاج إلى نصائحنا ومشورتنا ومداخلاتنا. نقرأ في رسالة رومية 33:11-36 " يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ! 34«لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرّب؟ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟ 35أَوْ مَنْ سَبَقَ فَأَعْطَاهُ فَيُكَافَأَ؟ 36لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ".

إن الله في حكمته الفائقة الإدراك وغير المحدودة، يعمل دائمًا ما هو حق وصواب، فهو لا يغلط أو يخطئ أبدًا. وما نراه نحن البشر كمأساة أو كارثة أو مصيبةٍ، يكون في عيني الله انتصارًا ومجدًا، وسبب ذلك أننا لا نستطيع أن ندرك طرق الله غير المحدودة، فهو يقول عن نفسه: "لأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ وَلاَ طُرُقُكُمْ طُرُقِي يَقُولُ الرّب. لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ هَكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ". (إشعياء 8:55-9).

يعمل الله كل شيء في وقته المناسب بالضبط. فهو لا يبكّر ولا يتأخّر، بل دائمًا يُجري حكمه ومشيئته في الوقت المناسب تمامًا. وفي قراءتنا من سفر صموئيل الأول 1:16-13، نرى مثالًا ساطعًا عن كيفية إتمام الله لخطته المتعلقة بالأفراد والشعوب بطريقة جليلة ورائعة.

أولًا: اختيار الله معروف له دائمًا: قال الله لنبيه صموئيل: "اِمْلَأْ قَرْنَكَ دُهْنًا وَتَعَالَ أُرْسِلْكَ إِلَى يَسَّى الْبَيْتَلَحْمِيِّ، لأَنِّي قَدْ رَأَيْتُ لِي فِي بَنِيهِ مَلِكًا".  وهذا يعني أن الله عرف من كان داود بالضبط، وأين كان داود، وماذا يستطيع داود أن يعمل وما لا يستطيع أن يعمل. أي أن الله عرف شخصية داود وظروفه ومؤهلاته وإمكانياته. ولأن الله عرف كل شيء عن داود، فقد اختاره من بين كل شعبه ليكون ملكًا له.

وكما عرف الله كل شيء عن داود، فهو يعرف كل شيء عن جميع الناس. هو يعرف كل واحد منا معرفة تامة. يعرف حقيقة شخصياتنا وظروفنا ومؤهلاتنا وقدراتنا. هو يعرف أين نحن ومن نحن. هو يعرف رغباتنا وأحلامنا ونوايانا وتصوراتنا. هو يعرف أهدافنا وتطلعاتنا وطموحاتنا. هو يعرف ضعفنا وضيقنا ومشاكلنا وصراعاتنا الداخلية. هو يعرف فشلنا وسقطاتنا ويأسنا وهزائمنا. هو يعرف اضطهاداتنا ومخاوفنا وخيبة آمالنا وتقصيرنا.

أمام هذه المعرفة غير المحدودة لدى الله عنّا، فإن لسان حال المؤمن الحقيقي يقول مع رجل الله أيوب: "لأَنَّهُ يَعْرِفُ طَرِيقِي. إِذَا جَرَّبَنِي أَخْرُجُ كَالذَّهَبِ". (أيوب 10:23). وقد عرف الله داود، واختاره ملكًا، وكان اختياره الأفضل.

ثانيًا: اختيار الله لا يتفق بالضّرورة مع اختيار الإنسان: عندما رأى صموئيل أليآب، ابن يسىَّ البكر، اعتقد أنه الشخص الذي قد اختاره الله ليكون ملكًا على شعبه، ولكن اختيار صموئيل كان يختلف تمامًا عن فكر الله واختياره. ولذلك قال الرّب لصموئيل: "لاَ تَنْظُرْ إِلَى مَنْظَرِهِ وَطُولِ قَامَتِهِ لأَنِّي قَدْ رَفَضْتُهُ. لأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَنْظُرُ الْإِنْسَانُ. لأَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا الرّب فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْقَلْبِ". (صموئيل الأول 7:16). كان أليآب حسن الصورة وطويل القامة، لذلك أعتقد الحاضرون، بمن فيهم النبي صموئيل، أنه هو الملك المنتظر. ولكن جواب الله كان قاطعًا "قَدْ رَفَضْتُهُ". وتكرر نفس الموقف مع الإبن الثاني والثالث وحتى السابع، وعن جميعهم قال صموئيل: "وَهذَا أَيْضًا لَمْ يَخْتَرْهُ الرّب". وهكذا فإن جميع الأبناء الذين دعاهم والدهم يسىَّ ليمثلوا أمام النبي صموئيل كانوا غير مختارين للمُلك من قِبلْ الله، وهكذا لم يتفق اختيار يسىَّ مع اختيار الله.

يعتقد الناس أحيانًا أنهم يعرفون خطة الله وطرقه وبرنامجه لحياتهم ولحياة غيرهم من الناس، ويختارون لأنفسهم أشياء كثيرة ومتنوعة، معتقدين أن هذا ما قد يختاره الله لهم، وكثيرون هم الذين يكتشفون ، وإن جاء ذلك متأخرًا، أن ما اختاروه لم يكن أبدًا هو اختيار الله لهم.

ثالثًا: اختيار الله دائمًا هو اختيار بحسب القلب: يختار الله الإنسان الذي يكون قلبه طاهرًا ونقيًا؛ أي أن الله ينظر إلى أعماق الإنسان بعكس البشر الذين يهتمون بالمظاهر الخارجية، تمامًا كما قال الله لنبيه صموئيل، ليبين له لماذا رفض اختيار أليآب واخوته الذين مَثلوا أمامه. لذلك يتوقع الله منا أن تكون قلوبنا طاهرة ونقية أمامه، وأن نصلي مثل ما صلى داود نفسه بعد أن سقط في الخطية في مزمور 10:51 "قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اللهُ وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي". كذلك صلاة داود في مزمور 23:139-24 "اخْتَبِرْنِي يَا اللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي. وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا".

نقرأ في إرمياء 9:17 "اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ مَنْ يَعْرِفُهُ!". تبين لنا هذه الآية حقيقة قلب الإنسان، لذلك قال الرّب يسوع له المجد في مرقس 21:7-23 "لأَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ، مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ، تَخْرُجُ الأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ: زِنىً، فِسْقٌ، قَتْلٌ، 22سِرْقَةٌ، طَمَعٌ، خُبْثٌ، مَكْرٌ، عَهَارَةٌ، عَيْنٌ شِرِّيرَةٌ، تَجْدِيفٌ، كِبْرِيَاءُ، جَهْلٌ. 23جَمِيعُ هذِهِ الشُّرُورِ تَخْرُجُ مِنَ الدَّاخِلِ وَتُنَجِّسُ الإِنْسَانَ ". ولأن القلب نجس وشرير بهذا المقدار، فإن الله يطلب منا قائلًا: "فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ". (أمثال 23:4)، تمامًا كما صلى داود بالوحي قائلًا: "وَقَدْ عَلِمْتُ يَا إِلَهِي أَنَّكَ أَنْتَ تَمْتَحِنُ الْقُلُوبَ وَتُسَرُّ بِالاِسْتِقَامَةِ". (أخبار الأيام الأول 17:29). 

هل قلوبنا مستقيمة أمام الله؟ أم أن لدينا مشاكل وآثام تملأ قلوبنا؟! وهل نحن على استعداد أن نرجع إلى الله بكل قلوبنا، وأن نسأله أن يجري عملية تغيير كاملة فينا، ويجدد قلوبنا لتكون مقدسة أمامه. إن الله يعدنا قائلًا: "وَأُعْطِيكُمْ قَلْبًا جَدِيدًا، وَأَجْعَلُ رُوحًا جَدِيدَةً فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِكُمْ وَأُعْطِيكُمْ قَلْبَ لَحْمٍ". (حزقيال 26:36). فالله متخصص في تغيير القلوب، فهو ينزع القلب الحجري الذي تقسَّى بالشر والخطية، ويعطينا قلوبًا لحمية، أي حية بمحبة الله وطاعته وعمل مشيئته.

رابعًا: اختيار الله ممسوحٌ دائمًا بالروح القدس: عندما جاء داود ومَثَلَ أمام النبي صموئيل، أخذ صموئيل قرن زيت المسحة، ومسحه ملكًا على الشعب، "وَحَلَّ رُوحُ الرّب عَلَى دَاوُدَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَصَاعِدًا". (صموئيل الأول 13:16). وهكذا فعندما يختار الله أي إنسان للخدمة، فإن الله يمسح ذلك الإنسان بالروح القدس. نقرأ في سفر النبي زكريا 6:4 قول الله "لاَ بِـالْقُدْرَةِ وَلاَ بِـالْقُوَّةِ بَلْ بِرُوحِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ". والرّب يسوع يعدنا قائلًا: "لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ". (أعمال الرسل 8:1) لذلك فان بولس يصرّح قائلًا بالوحي: "وَكَلاَمِي وَكِرَازَتِي لَمْ يَكُونَا بِكَلاَمِ الْحِكْمَةِ الإِنْسَانِيَّةِ الْمُقْنِعِ بَلْ بِبُرْهَانِ الرُّوحِ وَالْقُوَّةِ". (كورنثوس الأولى 4:2).

علينا أن نسأل أنفسنا، ماذا يرى الله عندما ينظر إلى قلوبنا؟ هل يرى بغضًا وكراهيةً وحقدًا ونجاسةً وغيرةً مرةً وطمعًا وأنانيةً وروحًا غير غافرة؟! أم يرى محبةً وغفرانًا وقداسةً وطهارةً؟! هل أنت راضٍ بحالة قلبك؟ أم أنك مستعد لتأتي إلى الجراح العظيم طالبًا منه أن يغيِّر قلبك الحالي بقلب جديد يفيض بالإيمان والمحبة. القرار لك، فماذا تريد؟!

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا